للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قضاء الله وقدره فينا، وينفذ سابق مشيئته علينا.

وهذه الجملة (١) رفض آخر للعود إلى ملتهم، مؤكد أبلغ التأكيد، مؤس لهم من عودته ومن آمن معه إلى ملتهم، فبعد أن نفى وقوع العود منهم باختيارهم، نفاه نفيا مؤكدا بأنّه ليس من شأنهم، ولا يجىء من قبلهم بحال من الأحوال، كالترغيب والترهيب، بالرجاء في المنافع، والخوف من المضار، كالإخراج من الديار إلا حالا واحدة، وهي مشيئة الله، ومشيئته تجري بحسب علمه وحكمته في خلقه، وسنته في خلقه أن ينصر أهل الحق على أهل الباطل ما داموا ناصرين له، وقائمين بما هداهم إليه منه.

وخلاصة ذلك: لا تطمعوا أن يشاء ربنا الحفي بنا، عودتنا في ملتكم، بعد إذ نجانا منها بفضله، فما كان الله ليدحض حجته ويغير سنته.

وقال الواحدي: معنى (٢) العود هنا الابتداء.

والذي عليه أهل العلم والسنة في هذه الآية: أنّ شعيبا وأصحابه قالوا: ما كنا نرجع إلى ملتكم بعد أن وقفنا على أنّها ضلالة تكسب دخول النار، إلا أن يريد الله إهلاكنا، فأمورنا راجعة إلى الله، غير خارجة عن قبضته، يسعد من يشاء بالطاعة، ويشقي من يشاء بالمعصية، وهذا من شعيب وقومه استسلام لمشيئة الله تعالى، ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر، ألا ترى إلى قول الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ}. وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم كثيرا ما يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». قال الزجاج - رحمه الله تعالى -: المعنى: وما يكون لنا أن نعود فيها، إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها، وتصديق ذلك قوله: {وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}؛ أي: أحاط علم ربنا سبحانه وتعالى أزلا بكل الأشياء، ويعلم ما كان وما سيكون، قبل أن يكون، فالسعيد من سعد في علم الله، والشقي من شقي في علم الله، فهو سبحانه وتعالى يعلم كل حكمة ومصلحة ومشيئة تجري على موجب الحكمة، فكل


(١) المراغي.
(٢) الواحدي.