للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن مسعود: يرسل الله الريح وينشؤها، فتحمل الماء فتمجه في السحاب، ثم تمر به فتدره كما تدر الملقحة، ثم تمطر، وقال أبو عبيد: يبعث الله الريح المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلفة، فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض، فتجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتلقحه. اهـ "خطيب".

وقرأ حمزة (١): {الريح} بالإفراد، وقرأ من عداه: {الرِّيَاحَ} بالجمع، وعلى قراءة حمزة تكون اللام في الريح للجنس، وقالوا: الرياح للخير، والريح للشر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا".

والمعنى: أي إن (٢) من فضله سبحانه وتعالى على عباده وإحسانه إليهم أن أرسل إليهم الرياح لواقح، ويكون ذلك على ضروب:

١ - أن يرسلها حاملات للسحاب، فتلقح بها الأشجار بما تنزل عليها من الأمطار، فتغيرها من حال إلى حال، فتعطيها حياة جديدة، إذ تزدهر أزهارها، وتثمر أغصانها، بعد أن كانت قد ذبلت وصوحت، وأصبحت في مرأى العين كأنها ميتة لا حياة فيها، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}.

٢ - أن يرسلها ناقلة لقاح الأزهار الذكور إلى الأزهار الإناث، لتخرج الثمر والفواكه للناس.

٣ - أن يرسلها لتزيل عن الأشجار ما علق بها من الغبار، لينفذ الغذاء إلى مسامها، فيكون ذلك رياضة للشجر والزرع، كرياضة الحيوان.

{فَأَنْزَلْنَا} بعد ما أنشانا بتلك الرياح سحابًا ماطرًا {مِنَ السَّمَاءِ}؛ أي: من جانب العلو، فإن كل ما علاك فهو سماء، وهو الظاهر هنا، لا الفلك يعني من السحاب {ماء}؛ أي: بعض ماء المطر، كما يفيده التنكير، فإنه معلوم عند الناس علمًا يقينيًّا أنه لم ينزل من السماء الماء كله، بل قدر ما يصلون به إلى


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.