للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيستحي من ربه عَزَّ وَجَلَّ، ولكن ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله إلى الأرض، فيأتون نوحًا ... " إلخ.

والخلاصة: أن الآية تدل على أن أول رسول شرع الله على لسانه الأحكام والحلال والحرام هو نوح عليه السلام، ويرى بعض العلماء أن آدم كان على هدى من ربه ربى عليه أولاده، وبشرهم بالثواب وأندرهم بالعقاب. وهذه هداية من جنس هداية الله للنبيين والمرسلين التي بلغوها أقوامهم، ولا ندري كيف هدى الله تعالى آدم إليها، فإن طرق الهداية متعددة، وقد تكون هي هداية الفطرة. ونوح ومن بعده أرسلوا إلى من فسدت فطرتهم، فأعرضوا عما دعوا إليه، وهذه هي الرسالة الشرعية التي يسمى من جاء بها: رسولًا، دون الأولى.

وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - وأهل حرميهما وأبو عمرو (١): {اقْتَدِهْ} بالهاء ساكنة وصلًا ووقفًا، وهي هاء السكت أجروها وصلًا مجراها وقفًا وقرأ الأخوان حمزة والكسائي بحذفها وصلًا، وإثباتها وقفًا، وهذا هو القياس. وقرأ هشام: {اقْتَدِهْ} باختلاس الكسر في الهاء وصلًا وسكونها وقفًا. وقرأ ابن ذكوان: بكسرها ووصلها يياء وصلًا، وسكونها وقفًا، ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليط ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه، وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف.

{قُلْ} يا محمَّد لجميع من بعثت إليه من أهل مكة وغيرهم {لَا أَسْأَلُكُمْ} ولا أطلب منكم {عَلَيْهِ}؛ أي: على هذا القرآن الذي أمرت أن أدعوكم إليه وأذكركم به، أو على تبليغ الرسالة أو على التوحيد {أَجْرًا} وجعلًا من مال ولا غيره من المنافع من جهتكم، كما أن جميع من قبلي من الرسل لم يسألوا أقوامهم أجرًا على التبليغ والهدى، وقد تكرر هذا الأمر له - صلى الله عليه وسلم - في سور متعددة، كقوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قيل (٢): لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين، وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين


(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.