وخلاصة ذلك: أننا كما أرسلنا إلى أمم من قبلك، وأعطيناهم كتبًا تتلى عليهم أرسلناك وأعطيناك هذا الكتاب لتتلوه عليهم، فلماذا يقترحون غيره {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}؛ أي: والحال أنهم كفروا بمن أحاطت بهم نعمه ووسعت كما شيء رحمته، ولم يشكروا نعمه وفضله عليهم، ولا سيما إحسانه إليهم بإرسالك وإنزال القرآن عليك، وهو الكفيل بمصالح الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)}.
وكفرهم به أنهم جحدوه بتاتًا، أو أثبتوا له الشركاء. وروي أنَّ أبا جهل سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الحجر يدعو ويقول "يا الله يا رحمن"، فرجع إلى المشركين، وقال: إن محمدًا يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعني به: مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة؟ وهي بلدة في البادية، فنزلت هذه الآية. {قُل} لهم يا محمَّد {هُوَ}؛ أي: الرحمن الذي كفرتم به وأنكرتم معرفته {رَبيِّ}؛ أي: خالقي ومتولي أموري. وقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبر بعد خبر؛ أي: هو جامع لهذين الوصفين من الربوبية والألوهية، فلا مستحق للعبادة سواه. ومعنى:{لَاَ إلَهَ إلَّا هُوَ} هو الواحد المختص بالإلهية، فلا يستحق العبادة له والإيمان به سواه.
والمعنى: قل لهم يا محمَّد إن الرحمن الذي كفرتم به هو خالقي ومتولي أمري ومبلغي مراتب الكمال، لا رب غيره ولا معبود سواه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية حين صالح قريشًا كتب في الكتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه، وكان أهل الجاهلية يكتبون: باسمك اللهم، فقال أصحابه: دعنا نقاتلهم، قال:"لا اكتبوا كما يريدون" اهـ.
{عَلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره {تَوَكَّلْتُ} واعتمدت في جميع أموري، وإليه أسندت أمري في العصمة من شركم والنصرة عليكم {وَإِلَيْهِ} تعالى