للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن لم يفعل، بل فعل ما عليه الشأن الآن وهذا بمعنى قوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.

خلاصة ذلك (١): لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه مما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة؛ لكان مظهر ذلك هو القرآن الذي لم يعدوه آية، واقترحوا غيره. ولا يخفى ما في هذا من تعظيم شأنه الكريم، ووصفهم بسخف العقل وسوء التدبير والرأي، وبيان أن تلك المقترحات لا ينبغي أن يؤبه لها ولا يلتفت إليها؛ لأنها صادرة عن التشهي والهوى والتمادي في الضلال، والمكابرة والعناد، لا عن تقدير للأمور على وجهها الصحيح، وتأمل في حقائقها، وما يجب أن يكون لها من الاعتبار.

ويجوز أن يكون المعنى: لو أن كتابًا فعلت بوساطته هذه الأفاعيل العجيبة .. لما آمنوا به لفرط عنادهم وعلوهم في مكابرتهم، وهذا بمعنى قوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.

{بَلْ لِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {الْأَمْرُ} الذي يدور (٢) عليه فلك الأكوان {جَمِيعًا} وجودًا وعدمًا إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، فله التصرف في كل شيء، وله القدرة على ما أراد، وهو قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك؛ لعلمه بأنه لا تنفعهم الآيات، وأن قلوبهم لا تلين بذلك، ولا يجدي هذا فائدة في إيمانهم.

والمعنى: بل مرجع الأمور كلها بيد الله تعالى ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن، ومن يضلل فلا هادي له، ومن يهد فما له من مضل. وهذه الجملة إضراب (٣) عن ما تضمنته لو من معنى النفي؛ أي: بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك، لعلمه بأنه لا تلين له


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) البيضاوي.