للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شكيمتهم، ويؤيد ذلك قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} والهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و {يَيْأَسِ} هنا بمعنى يعلم و {أَن} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والتقدير: أغفل الذين آمنوا كون الأمر جميعًا لله تعالى، فلم يعلموا أن الشأن والحال لو شاء الله سبحانه وتعالى هداية الناس أجمعين لهداهم جميعًا من غير أن يشاهدوا الآيات التي اقترحوها، فإنه ليس ثمة حجة ولا معجزة أنجع في العقول من هذا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، ولكنه لم يشأ هداية جميع الناس. وقيل (١): إن الإياس على معناه الحقيقي؛ أي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم؛ لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعًا في إيمانهم.

وحاصله: أن في معنى الآية قولين:

أحدهما: أن يئس بمعنى علم.

والقول الثاني: أنه من اليأس المعروف، وتقدير القولين ما تقدم. {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالرحمن وهم كفار مكة {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا}؛ أي: بسبب ما صنعوا وفعلوا من كفرهم وأفعالهم الخبيثة {قَارِعَةٌ}؛ أي: داهية ومصيبة تقرعهم وتفجأهم، وتفزعهم من القتل والأسر والحرب والجدب. وأصل القرع: الضرب والصدع.

وتلخيصه (٢): ولا يزال كفار مكة معذبين بقارعة من البلايا والرزايا {أَوْ تَحُلُّ} القارعة؛ أي: تنزل {قَرِيبًا}؛ أي: مكانًا قريبًا {مِنْ دَارِهِمْ} مكة فيفزعون فيها، ويقلعون ويتطاير عليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها، ويجوز أن يكون {تَحُلُّ} خطابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حل بجيشه قريبًا من دارهم حيث حاصر أهل الطائف، وحيث حل بالحديبية في عامها. وقيل هذا وعيد للكفار على العموم، لا خصوص أهل مكة {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}؛ أي: حتى ينجز الله سبحانه وتعالى وعده الذي وعدك فيهم بظهورك عليهم وفتحك أرضهم وقهرك إياهم بالسيف


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.