مولى عتبة، وباقيهم من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}؛ أي: الغالبون في آخر الأمر بالنصرة لكم دون عدوكم، فإن مصير أمرهم إلى الدَّمار حسب ما شاهدتم من أحوال أسلافهم، أي لكم العاقبة المحمودة {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} حقًّا بصدق وعد الله نبيه بالنصر، وهذا إما منصبٌّ بالنهي أو بوعد النصر والغلبة؛ أي: إن كنتم مؤمنين .. فلا تهنوا، ولا تحزنوا، فإن الإيمان يوجب قوة القلب، والثقة بصنع الله تعالى، وقلة المبالاة بالأعداء، أو إن كنتم مؤمنين. فأنتم الأعلون؛ فإن الإيمان يقتضي العلو بلا شكٍّ.
والمعنى: ولا تضعفوا عن القتال، وما يتبعه من التدبير بسبب ما أصابكم من الجروح والفشل في يوم أحد، ولا تحزنوا على من فقد منكم في هذا اليوم، وكيف يلحقكم الوهن والحزن وأنتم الأعلون؛ فقد مضت سنة الله أن يجعل العاقبة للمتقين، الذين لا يحيدون عن سنته، بل ينصرون من ينصره، ويقيمون العدل فهم أجدر بذلك من الكافرين الذين يقاتلون لمحض البغي، والانتقام، أو للطمع فيما في أيدي الناس.
فهمة الكافر على قدر ما يرمي إليه من غرض خسيسٍ، ولا كذلك همة المؤمن الذي يرمي إلى إقامة صرح العدل في الدنيا، والسعادة الباقية في الآخرة {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ومصدِّقين بصدق وعد الله بنصر من ينصره، وجعل العاقبة للمتقين المتبعين لسنته في نظم الاجتماع حتى صار ذلك الإيمان وصفًا ثابتًا لكم حاكمًا على نفوسكم وأعمالكم.
إنما نهى عن الحزن على ما فات؛ لأن ذلك مما يفقد الإنسان شيئًا من عزيمته، وبالعكس صلته بما يحب من مالٍ أو متاع أو صديقٍ تكسبه قوة، وتوجد في نفسه سرورًا. والمراد بالنهي عن مثل ذلك معالجة النفس بالعمل ولو تكلفًا.
وخلاصة ذلك الأمر: بأخذ الأهبة وإعداد العدة، مع العزيمة الصادقة، والحزم والتوكل على الله حتى يظفروا بما طلبوا، ويستعيضوا مما خسروا.