لهؤلاء اليهود والنصارى الذين قالوا لكم ذلك {آمَنَّا بِاللَّهِ} وحده، وصدَّقنا بوحدانيَّته {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}؛ أي: آمنا بالقرآن الذي أنزل على نبينا، والإنزال إليه إنزالٌ إلى أمته؛ لأنَّ حكم المنزل يَلْزَمُ الكُلَّ؛ لأنّهم المخاطبون فيه بتكالفيه من الأوامر، والنواهي، وغير ذلك.
أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصدِّقوا أهل الكتاب، ولا تكذِّبوهم، ولكن قولوا: آمنا باللهِ وما أنزل إلينا، فإن كان حقًّا لم تكذبوه، وإن كان كذبًا لم تصدقوه". وروى ابن أبي حاتم عن معقل مرفوعًا:(آمِنُوا بالتوارة والإنجيل، وليسعكم القرآن){وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} من صحفه العشر، قال تعالى:{إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} وكرَّر الموصول؛ لأنّ المنزل إلينا وهو القرآن غير تلك الصحائف التي أنزلت على إبراهيم، فلو حذف الموصول لأوهم أنَّ المنزل إلينا هو المنزل إلى إبراهيم، وعطف قوله:{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} على إبراهيم مع أنَّه لم ينزل إليهم شيءٌ؛ لأنّهم كلِّفوا العمل بما أنزل إلى إبراهيم، والدعاء إليه، فأضيف الإنزال إليهم كما أضيف إلينا في قوله:{وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} والأسباط: جمع سبطٍ وهو في الأصل شجرةٌ واحدةٌ لها أغصانٌ كثيرةٌ، والمراد هنا: أولاد يعقوب من صلبه اثنا عشر، كما مر، سُمُّوا بذلك؛ لأنّه وُلد لكلٍ منهم جماعةٌ، وسبط الرجل: حافده؛ أي: ولد ولده، وحينئذٍ تسمية أولاد يعقوب بالأسباط بالنظر، لكونهم أولاد أولاد إسحاق وإبراهيم، وقيل: المراد: أولاد أولاد يعقوب وتسميتهم أسباطًا ظاهرةٌ، والأسباط من بني إسرائيل، كالقبائل من العرب، والشعوب من العجم، وهم جماعةٌ من أبٍ وأمٍ، وكان في الأسباط أنبياء {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى}؛ أي: وآمنَّا بالذي أوتي، وأعطي موسى بن عمران، كليم الله من التوراة، والآيات {و} ما أوتى {عيسى} ابن مريم من الإنجيل، والآيات، ونصَّ على موسى وعيسى؛ لأنّهما متبوعا اليهود والنصارى بزعمهم، والكلام هنا معهم، ولم يكرِّر الموصول في عيسى؛ لأنه إنّما جاء مصدِّقًا لما في التوراة، ولم ينسخ منها إلّا نزرًا يسيرًا، فالذي أوتي عيسى هو ما أوتي موسى، وإن كان قد