للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خالف في نزرٍ يسيرٍ، وتعبيره أوّلًا بأنزل، وثانيًا بأوتي مع كون المعنى واحدًا؛ للتفنُّن، ولمَّا (١) ذكر في الإنزال خاصًّا عطف عليه جمعًا، فكذلك لما ذكر في الإيتاء خاصًّا عطف عليه جمعًا، ولمَّا أظهر الموصول في الإنزال في العطف أظهره في الإيتاء، فقال: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ}؛ أي: وبجميع ما أعطى النبيون المذكورون، وغيرهم من الكتب، والمعجزات، والمعنى: آمنَّا أيضًا بالتوراة والإنجيل، والكتب التي أوتي جميع النبيين، وصدَّقنا أنَّ ذلك كُلَّه حق، وهدى، ونور، وأنَّ الجميع من عند الله تعالى، وأنَّ جميع ما ذكر الله من أنبيائه كانوا على هدى، وحقٍّ، وذكر ما أوتي هنا، وحذفه في آل عمران؛ اختصارًا، كما هو الأنسب بالآخر، وقال هنا: أوتي موسى، ولم يقل: وما أنزل إلى موسى، كما قال قبل: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}؛ للاحتراز عن كثرة التكرار.

{لَا نُفَرِّقُ} في الإيمان لا في الأفضليَّة {بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}؛ أي: بين أحدٍ من الأنبياء؛ أي: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضٍ، كما فعلت اليهود والنصارى، فاليهود كفرت بعيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقرَّت ببعض الأنبياء، بل نؤمن نحن بكلِّ الأنبياء، وأنَّ جميعهم كانوا على حقّ وهدى؛ لأنَّ تصديق الكُل واجبٌ، والدليل الذي أوجب علينا أن نؤمن ببعض الأنبياء، وهو تصديق الله إياه بخلق المعجزات على يديه، يوجب الإيمان بالباقين، فلو آمنَّا ببعضهم، وكفرنا بالبعض لناقضنا أنفسنا، والجملة حال من الضمير في آمنا، ولفظ أحد (٢)؛ لوقوعه في سياق النفي عامٌّ، فساغ أن يضاف إليه (بين) من غير تقدير معطوفٍ، نحو: المال بين الناس، ووجَّهَهُ في "الكشاف" بقوله: وأحدٌ في معنى الجماعة بحسب الوضع، وعلَّله التفتازانيُّ بقوله: لأنّه اسمٌ لمن يصلح أن يخاطب يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمثنى والمجموع، ويشترط أن يكون استعماله مع كُلٍّ، أو في كلام غير موجب، وهذا غير الأحد الذي هو أوَّل العدد في مثل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرةً في سياق النفي على


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.