والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ مَعَه {إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أي: إلى الذين وُجد منهم الظلم بالجملة {فَتَمَسَّكُمُ} بسبب ذلك {النَّارُ} الأخروية، وإذا كان الركونُ إلى من صدر منهم ظلم مرة في الإفضاء إلى مساس النار هكذا فما ظنك بالركون إلى من صدر منهم الظلم مرارًا، ورسخوا فيه، ثمَّ بالميل إليهم كلَّ الميل {وَمَا لَكُمْ}، والحال: أن ما لكم {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى {مِنْ أَوْلِيَاءَ}؛ أي: من أنصار ينقذونكم من النار، على أن يكونَ مقابلة الجمع بالجمع بطريق انقسام الآحاد على الآحاد، والجملة في محل النصب حال من مفعول {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}؛ أي: وأنتم على هذه الحالة، وهي انتفاء ناصركم. وقوله:{ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} جملة فعلية معطوفة على الاسمية قبلها، وكلمة {ثُمَّ} لاستبعاد نصرة الله تعالى إياهم مع استحقاقهم العذابَ بسبب ركونهم؛ أي: ثم لا ينصركم الله، ولا ينقذكم منها إذ سَبَقَ في حكمه أن يُعَذِّبكم، ولا يُبقي عليكم. وقرأ الجمهور:{تركنوا} بفتح الكاف، والماضي رَكِنَ بكسرها، وهي لغة قريش.
وقال الأزهري: هي اللغة الفصحى. وعن أبي عَمرو بكسر التاء على لغة تميم في مضارع علم غير الياء. وقرأ قتادة، وطلحة، والأشهب، ورويت عن أبي عمرو:{تَرْكُنوا} بضم الكاف مضارع رَكَن بفتحها، وهي لغة قيس، وتميم. وقال الكسائي: وأهلُ نجد، وشذَّ "يَرْكنُ" بفتح الكاف مضارع، رَكَن بفتحها. وقرأ ابن أبي عَبْلَة:{ولا تُرْكَنوا} مبنيًّا للمفعول من أركنه إذا أَمالَه. وقرأ ابن وثاب، وعلقمة والأعمش، وابن مصرف، وحمزة، فيما روي عنه:{فتمسَّكم} بكسر التاء على لغة تميم، ذكره أبو حيان. وقرأت العامة:{ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} بإثبات نون الرفع. وقرأ زيد بن علي، وعائشة بحذف نون الرفع عطفًا على (تمسكم) ذكره في "الجمل"؛ ومعنى الآية: أي: لا تستندوا إلى الذين ظلموا من قومكم المشركين، ولا من غَيرهم فَتَجْعَلُوهم رُكنًا لكم تعتمدون عليه، فتقروهم على ظلمهم، وتوالوهم في شؤونكم الحربية، وأعمالكم الدينية، فإن الظالمينَ بعضهم أولياء بعض.