وفيه حجة بيّنة لصحة النبوة وإعجاز القرآن، أما الأول: فلأنه أخبر عما سيقع فوقع كما أخبر؛ وذلك لأن نزول الآية مقدم على الواقعة. وعليه يدل النظم، فإن كلمة {إن} للاستقبال. وأما الثاني: فمن حيث الإخبار عن الغيب.
{وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} على سبيل الفرض والتقدير؛ أي: لو قدر وجود نصرهم إياهم؛ لأن ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده. قال الزجاج: معناه: لو قصدوا نصر اليهود {لَيُوَلُّنَّ} المنافقون {الْأَدْبَارَ}؛ أي: الأقفاء منهزمين فارين. جمع دبر، ودبر الشيء خلاف القُبل؛ أي: الخلف. وتولية الأدبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الأدبار. {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}؛ أي: المنافقون بعد ذلك؛ أي: يهلكهم الله تعالى، ولا ينفعهم نفاقهم؛ لظهور كفرهم بنصرهم اليهود، أو لينهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين.
وفي الآية تنبيه على أن من عصى الله ورسوله وخالف الأمر .. فهو مقهور في الدنيا والآخرة وإن كان سلطانًا ذا منعة، وما يقع أحيانًا من الفرصة فاستدراج، وغايته إلى الخذلان.
والحاصل (١): أن المراد من قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا ...} إلخ .. تعجيب المخاطب من حال المحدث عنه، وأن أمره غاية في الغرابة، وموضع للدهشة والحيرة.
فهؤلاء قوم من منافقي المدينة لهم أقوال تخالف ما يبطنون، منهم: عبد الله بن أبيّ وشيعته، رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاصر بني النضير ويقاتلهم، فأرسلوا إليهم يقولون لهم: إنا قادمون لمساعدتكم بخيلنا ورجلنا، ولا نسلمكم لمحمد أبدًا، فجدوا في قتالهم ولا تهنوا في الدفاع عن دياركم وأموالكم، حتى إذا اشتد الحصار وأوغل المسلمون في ديارهم، وجدّوا في تحريق نخيلهم وهدم بيوتهم .. رأى بنو النضير أن تلك الوعود {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}. وأنهم بين أمرين: