للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سوء حالهم، وذكر أن العقل لم ينفعهم، والكتاب لم يذكّرهم، بيّن (١) لهم طريق التّغلّب على الأهواء والشهوات، والتخلّص من حب الرئاسة والوجاهات، فقال: {وَاسْتَعِينُوا} يا بني إسرائيل! على ترك ما تحبون من الدنيا، وعلى الدخول في دين محمد صلّى الله عليه وسلّم، الذي كان أثقل ثقيل عليكم؛ أي: اطلبوا المعونة والمساعدة على ذلك {بِالصَّبْرِ}؛ أي: بحبس النفس عن الشهوات، ومنعها عنها، وبتحمّل ما يشق عليها من التكاليف الشرعية، كالصوم {وَ} بأداء {الصَّلاةِ} المفروضة التي هي عماد الدين، وجامعة لأنواع العبادات، وناهية عن الفحشاء والمنكر، أو استعينوا (٢) على قضاء حوائجكم، بانتظار الظفر والفرج، توكّلا على الله تعالى، أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات، لما فيه من كسر الشهوة، وتصفية النفس {وَالصَّلاةِ}؛ أي الناهية عن الفحشاء والمنكر. وقدّم الصبر عليها؛ لأنه مقدّمة الصلاة، فإنّ من لا صبر له، لا يقدر على إمساك النفس عن الملاهي حتى يشتغل بالصلاة، فلا يمكن حصولها كاملة إلا به. اه. «كرخي»: أي: استعينوا بالتوسّل ... الخ؛ أي: بالتوسل بالصلاة، والإلتجاء إليها حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب، وجبر المصائب، كأنهم؛ أي: بني إسرائيل، لمّا أمروا بما شقّ عليهم، لما فيه من ترك الشهوة، وترك الرياسة، والإعراض عن المال، عولجوا بذلك.

وروى أحمد أنه صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وروي أن ابن عباس - رضي الله عنهما - نعي له بنت وهو في سفر، فاسترجع وقال: (عورة سترها، ومؤونة كفاها، وأجر ساقه الله، ثم تنحّى عن الطريق وصلّى، ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}.

واعلم: أنّ الصبر (٣) الحقيقيّ إنما يكون، بتذكّر وعد الله بحسن الجزاء، لمن صبر عن الشهوات المحرمة التي تميل إليها النفس، وعمل أنواع الطاعات


(١) العمدة.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.