للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التي تشق عليها، والتفكر في أن المصائب بقضاء الله وقدره، فيجب الخضوع له، والتسليم لأمره. والاستعانة به تكون باتباع الأوامر، واجتناب النواهي بقمع النفس عن شهواتها، وحرمانها لذاتها، وتكون بالصلاة؛ لما فيها من النهي عن الفحشاء والمنكر؛ ولما فيها من مراقبة الله تعالى في السر والنجوى، وناهيك بعبادة يناجي فيها العبد ربه في اليوم خمس مرات.

{وَإِنَّها}؛ أي: وإن الصلاة {لَكَبِيرَةٌ}؛ أي: لثقيلة شاقّة {إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ}؛ أي: إلا على المتواضعين المستكينين إلى طاعة الله تعالى، الخائفين من سطوته، المصدّقين بوعده ووعيده. وقال ابن جرير: معنى الآية (١): واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب، بحبس أنفسكم على طاعة الله، وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقربة من رضا الله، العظيمة إقامتها إلا على الخاشعين؛ أي: المتواضعين المستكينين لطاعة الله، المتذللين من مخافته. هكذا قال والظاهر (٢): أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص، فإنها عامة لهم ولغيرهم. والله أعلم.

وفي «البحر»: أنّ الضمير في {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} عائدة على الصلاة، هذا ظاهر الكلام، وهو القاعدة في علم العربية، أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل. وقيل: يعود على الاستعانة، وهو المصدر المفهوم من قوله: {وَاسْتَعِينُوا} فيكون مثل: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ}؛ أي: العدل أقرب. وقيل: غير ذلك، وأظهرها ما بدأنا به أولا. انتهى.

والاستثناء في قوله (٣): {إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} مفرغ؛ لأن المعنى: وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين؛ أي: وإن الصلاة لشاقّة صعبة الاحتمال، إلا على المخبتين لله، الخائفين من شديد عقابه، وإنما (٤) لم تثقل على هؤلاء؛ لأنهم


(١) الطبري.
(٢) ابن كثير.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.