وأبو ثور وأبو عبيد وداود، و {إِحْدَى ابْنَتَيَّ} مبهم، وهذا عرض، لا عقد، ألا ترى إلى قوله:{إِنِّي أُرِيدُ}، وحين العقد يعين من شاء منهما، وكذلك لم يحد أول أمد الأجارة، والظاهر جواز النكاح بالإجارة، وبه قال الشافعي وأصحابه، وابن حبيب، وقال الزمخشري لهاتين: فيه دليل على أنه كانت له غيرهما. انتهى كما مر، ولا دليل في ذلك لأنهما كانتا هما اللتين رآهما تذودان، وجاءته إحداهما فأشار إليهما، والإشارة إليهما لا تدل على أن له غيرهما.
رُوي (١): أنه لما أتم العقد قال شعيب لموسى: ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصي، وكانت عنده عصيُّ الأنبياء، فأخذ عصًا هبط بها آدم من الجنة، ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب، فمسَّها وكان مكفوفًا، فلم يرضها له خوفًا من أن لا يكون أهلًا لها، وقال: غيرها، فما وقع في يده إلا هي سبع مرات، فعلِمَ أن لموسى شأنًا، وحين خرج للرعي قال له شعيب: إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ عن يمينك، فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينًا - التنين بوزن السكيت: الحية العظيمة، كما في "القاموس" - أخشى منه عليك وعلى الغنم، فأخذت الغنم ذات اليمين، ولم يقدر على كفها، ومشى على أثرها، فإذا عشب وريف لم يُرَ مثله فنام، فإذا بالتنين قد أقبل، فحاربته العصا حتى قتلته، وعادت إلى جنب موسى دامية، فلما أبصرها دامية والتنين مقتولًا .. سُرَّ، ولما رجع إلى شعيب أخبره بالشأن، ففرح شعيب، وعلم أن لموسى والعصا شأنًا، وقال: إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع، ودرعاء - أبلق وبلقاء - والدرع البياض في صدور الشاء ونحورها، فأوحى الله سبحانه إليه في المنام: أن اضرب بعصاك الماء الذي هو في مستقى الأغنام، ففعل ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء، فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله تعالى إلى موسى وامرأته، فوفى له بالشرط، وسلَّم إليه الأغنام، قال أبو الليث: مثل هذا الشرط في شريعتنا غير واجب، إلا أن الوعد من الأنبياء واجب، فوفاه بوعده. انتهى.