للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا}؛ أي: ومن سعة رحمته تعالى أنه - أي: إن الشأن - من عمل وارتكب منكم أيها المؤمنون سوءًا؛ أي: عملًا تسوء عاقبته للضرر الذي حرمه الله لأجله حالة كونه ملتبسًا {بِجَهَالَةٍ} دفعته إلى ذلك السوء، كغضب شديد حمله على السب والضرب، أو شهوة مغتلمة قادته إلى انتهاك العرض {ثُمَّ تَابَ} ورجع عن ذلك السوء {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: بعد أن عمله شاعرًا بقبحه نادمًا عليه خائفًا من عاقبته {وَأَصْلَحَ} عمله بأن أتبع ذلك العمل السيء بعمل يضاده ويذهب أثره من قلبه حتى يعود إلى النفس زكاؤها وطهارتها وتصير أهلًا للقرب من ربها {فَأَنَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ} لمن تاب {رَحِيمٌ} بقبول توبته؛ أي: فشأنه تعالى في معاملته أنه واسع المغفرة والرحمة، فيغفر له ما تاب عنه، ويتغمده برحمته وإحسانه. وقد بيَّن سبحانه في هذه الآية من أنواع الرحمة المكتوبة لعباده ما هم أحوج إلى معرفته بنص الوحي، وهو حكم من يعمل السوء بجهالة من عباده المؤمنين، وبقية أنواعها يمكن أن يستدل عليها بالنظر في الأنفس والآفاق، وأمَر نبيه بتبليغها لمن يدخلون في الدين؛ ليهتدوا بها، حتى لا يغتروا بمغفرة الله ورحمته، فيحملهم الغرور على التفريط في جنب الله، والغفلة عن تزكية أنفسهم، وحتى يبادروا إلى تطهيرها من إفساد الذنوب خوف أن تحيط بها خطيئتها: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}.

وقرأ عاصم وابن عامر (١): {أنه} بفتح الهمزتين، فالأولى: بدل من الرحمة، والثانية: خبر مبتدأ محذوف تقديره: فأمره أنه؛ أي: إن الله غفور رحيم له. وقيل: إنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: عليه أنه من عمل.

وقرأ ابن كثير والأخوان - الكسائي وحمزة - وأبو عمرو بكسر الهمزة فيهما، الأولى: على جهة الضر للرحمة، والثانية: في موضع الخبر أو الجواب. وقرأ نافع بفتح الأولى على الوجهين السابقين، وكسر الثانية على وجهها أيضًا. وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية، حكاها الزهراوي عن الأعرج، وحكى سيبويه عنه


(١) البحر المحيط.