للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مطلق الحياة لعب ولهو، بل ما قرب منها إلى الله .. فهو مزرعة للآخرة، فليست من أشغال الدنيا، وما أبعد منها عنه .. فهو حسرة وندامة، واللعب: هو كل ما يشغل النفس عما تنتفع به، واللهو: صرفها عن الجد إلى الهزل، وقيل: المعنى أي: وما اللذات والمستحسنات الحاصلة في هذه الدنيا إلا فرح يشغل النفس عما تنتفع به، وباطل يصرف النفس عن الجد في الأمور إلى الهزل.

وفي الآية وجه آخر، وهو أن متاع هذه الدنيا متاع قليل قصير الأجل، لا ينبغي أن يغتر العاقل به، فما هو إلا كلعب الأطفال قصير المدة، فإن الطفل سريع الملل لكل ما يقدم إليه من أصناف اللعب، أو أن زمن الطفولة قصير، كله غفلة، أو كلهو المهموم في قصر مدته على كونه غير مقصود لذاته، والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}.

واللام في قوله: {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ} لام (١) قسم؛ أي: وعزتي وجلالي للدار التي هي محل الحياة الأخرى، وهي الجنة - جعلنا الله سبحانه وتعالى من أهله - {خَيْرٌ}، وأفضل {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ويجتنبون الكفر والمعاصي لخلو لذاتها من المضار والآلام، وسلامتها من التقضِّي والانصرام من هذه الدار للمشركين المنكرين للبعث الذين لا حظَّ لهم من حياتهم إلا التمتع الذي هو من قبيل اللعب في قصر مدته وعدم فائدته، أو من قبيل اللهو في كونه دفعًا لألم الهم والكدر.

والخلاصة: أن نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا، كما قال الشاعر:

لِلَّهِ أَيَّامُ نَجْدٍ وَالنَّعِيْمُ بِهَا ... قَدْ كَانَ دَارًا لَنَا أَكْرِمْ بِهِ دَارَا

فالبدني منه أعلى وأكمل من نعيم الدنيا في ذاته وفي دوامه وثباته، وفي كونه إيجابيًّا لا سلبيًّا، وفي كونه غير مشوب ولا منغص بشيء من الآلام، وفي كونه لا يعقبه ثقل ولا مرض ولا إزالة أقذار، بخلاف نعيم الدنيا؛ لأن لذاتها يشوبها مكدرات، وسرورها يعقبه غم وحزن كما قال الشاعر:

أشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِيْ فِيْ سُرُوْرٍ ... تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ زَوَالا


(١) الخازن.