للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتحليل والتحريم، أو تفاوتًا من حيث البلاغة، فكان بعضه بالغًا حد الإعجاز، وبعضه قاصرًا عنه، يمكن معارضته، أو من حيث المعاني، فكان بعضه إخبارًا بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخبارًا مخالفًا للمخبر عنه، وبعضه دالًا على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالًا على معنى فاسد غير ملتئم، وأما تعلق الملاحدة بآيات يدعون فيها اختلافًا كثيرًا من نحو قوله: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}، {كَأَنَّهَا جَانٌّ}، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢){فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} فقد تقصى أهل الحق، وستجدها مشروحة في كتابنا هذا في مظانها إن شاء الله تعالى.

والمعنى (١): أنهم لو تدبروه حق تدبره .. لوجدوه مؤتلفًا غير مختلف، صحيح المعاني قوي المباني، بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها.

والخلاصة (٢): أن تدبر القرآن، وتأمل ما امتاز به، هو طريق الهداية القويم، وصراط الحق المستقيم، فإنه يرشد إلى كونه من عند الله، وإلى وجوب الاهتداء به، وإلى أنه معقول في نفسه موافق للفطرة، ملائم للمصلحة وفيه سعادة الخلق في الدنيا والآخرة.

ولو تدبر المسلمون القرآن واهتدوا به في كل زمان .. لما فسدت أخلاقهم وآدابهم، ولما ظلم واستبد حكامهم، ولما زال ملكهم وسلطانهم، ولما صاروا عالة في معايشهم على سواهم، فإن قلت: إن قوله: {اخْتِلَافًا كَثِيرًا} يدل بمفهومه على أن في القرآن اختلافًا قليلًا، وإلا لما كان للتقييد بوصف الكثرة فائدة مع أن لا اختلاف فيه أصلًا .. قلت: بأن التقييد بالكثرة للمبالغة في إثبات الملازمة؛ أي: لو كان من عند غير الله تعالى لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا فضلًا عن القليل، لكنه من عند الله تعالى فليس فيه اختلاف لا كثير ولا قليل.

واعلم: أنه يدل على كون القرآن من عند الله سبحانه وتعالى لا من عند غيره أمور كثيرة:


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.