الآخرة، {مَعَ الصَّادِقِينَ} في الجنة، ولا تكونوا مع المنافقين الذين يتنصلون من ذنوبهم بالكذب، ويؤيدونه بالحلف.
وقيل:{مع} هنا بمعنى من، بدليل القراءة الشاذة التي حكاها أبو السعود، والمعنى: كونوا من الصادقين في الأقوال والأفعال والاعتقاد. وفي قوله:{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} بعد قصة الثلاثة، الإشارة إلى أنّ هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق، ما حصل لهم من توبة الله تعالى، وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم. أخرج الحاكم، عن ابن مسعود، عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال:"إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له اقرءوا إن شئتم"{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. وأخرج البيهقي مرفوعًا: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، إنه يقال: للصادق صدق وبر، ويقال: للكاذب كذب وفجر، وأن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صادقًا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابًا. ولا رخصة في الكذب إلا لضرورة من خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها؛ أي: في التحبب إليها بوصف محاسنها، ورضاه عنها لا في مصالح الدار والعيال وغيرها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، عن أسماء بنت يزيد، عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال:"كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو صلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها" ولا شك أن في المعاريض ما يغني العاقل عن الكذب، كما جاء في الحديث:"إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب".
وروي (١): أن رجلًا جاء إلى النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إني رجل أريد أن أؤمن بك إلا أني أحب الخمر والزنا والسرقة والكذب، والناس يقولون إنك تحرم هذه الأشياء، ولا طاقة لي على تركها بأسرها، فإن قنعت مني بترك واحد منها آمنت