للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) إنّ من غلب عليهم الجهل إذا سمعوه كابروا، وعاندوا، وقابلوه بالإنكار، فكان ذلك سببا في ضلالهم، ومن عادتهم الإنصاف، والنظر بثاقب الفكر إذا سمعوه اهتدوا به؛ لأنّهم يقدّرون الأشياء بحسب فائدتها. ومن المعلوم: أنّ أنفع الكلام ما تجلّت به الحقائق، واهتدى به السامع إلى سواء السبيل، وأجلّه في ذلك الأمثال، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ}، والعالمون: هم المؤمنون المهتدون بهدي الحقّ.

وقد جعل الله سبحانه، المهتدين في الكثرة كالضالين مع أنّ هؤلاء أكثر، كما قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}. إشارة إلى أنّ المؤمنين المهتدين على قلّتهم، أكثر نفعا وأجل فائدة من أولئك الكفرة الفاسقين، وما أحسن قول بعضهم:

إنّ الكرام كثير في البلاد وإن ... قلّوا كما غيرهم قلّ وإن كثروا

وفي «الروح»: فإن قلت: (٢) لم وصف المهديّون بالكثرة والقلّة صفتهم؟

قلت: أهل الهدى كثير في أنفسهم، وحين يوصفون بالقلّة إنّما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال، وأيضا: فإنّ القليل من المهديّين كثير في الحقيقة، وإن قلّوا في الصورة؛ لأنّ هؤلاء على الحقّ، وهم على الباطل. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (السواد الأعظم هو الواحد على الحقّ).

ثمّ أكمل الجواب، وزاد في البيان، فقال: {وَما يُضِلُّ} الله سبحانه {بِهِ}؛ أي: بهذا المثل؛ أي: لا يخذل، ولا يذلّ بهذا المثل وتكذيبه {إِلَّا الْفاسِقِينَ}؛ أي: إلّا الخارجين عن حدّ الإيمان والإخلاص إلى الكفر والنفاق، كاليهود والمنافقين.

أي: (٣) وما يضلّ بضرب المثل إلّا الذين خرجوا عن سنّة الله في خلقه،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.