مؤخر عن تسوية السماء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاحه في تلك السورة. اهـ "كرخي". ولا منافاة بين آية فُصِّلَت وبين آية النازعات فإن الأرض خلقت أولًا كرة ثم خلقت السموات من دخان كما دلت عليه آية فُصلت، ثم بنى السماء ورفعها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها. وإنما جمع السموات وأفرد الأرض؛ لاختلاف أجناسها، فإن الأولى على ما قيل من موج مكفوف، والثانية من مرمرة بيضاء، والثالثة من حديد، والرابعة من نحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء، والأرض وإن كانت سبعًا أيضًا إلا أنها من جنس واحد، واختلف هل الأرض واحدة؟ وهو الصحيح، فالتعدد باعتبار أقطارها، وقيل: طباق كالسماء، وأما السماء: فهي طباق باتفاق ذكره "الصاوي"، ولكن هذا كله إسرائيليات لا مستند له.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بالحمد لنفسه تعليمًا لعباده أن يحمدوه بهذه الصيغة الجامعة لصنوف التعظيم والتبجيل والكمال، وإعلامًا بأنه المستحق لجميع المحامد، فلا ندّ له ولا شريك ولا نظير ولا مثيل. ومعنى الآية: احمدوا الله ربكم المفضل عليكم بصنوف الإنعام والإكرام، الذي أوجد وأنشأ وأبدع خلق السموات والأرض بما فيهما من أنواع البدائع وأصناف الروائع، وبما اشتملا عليه من عجائب الصنعة وبدائع الحكمة بما يدهش العقول والأفكار تذكرة وذكرى لأولي الأبصار. والحمد (١): هو الثناء الحسن والذكر الجميل، والفرق بينه وبين المدح: أن المدح أعم من الحمد؛ لأن المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، فكما يمدح العاقل على أنواع فضائله كذلك يمدح اللؤلؤ لحسن شكله، والياقوت على نهاية صفائه وصقالته. والحمد لا يكون إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإحسان، والحمد أعم من الشكر؛ لأن الحمد تعظيم المنعم لأجل ما صدر عنه من الإنعام واصلًا إليك أو إلى غيرك، والشكر: تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك وحصل عندك، والمقصود من الآية: ذكر الدلالة على وجود الصانع.