للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَسْتَقْدِمُونَ}؛ أي: ولا يهلكون قبل الأجل طرفة عين، فقوله: {ساعَةً}؛ أي: شيئا قليلا من الزمان؛ فهي مثل يضرب لغاية القلة من الزمان. ذكره أبو السعود. فالجزاء (١) مجموع الأمرين، لا كل واحد على حدته، والمعنى: أن الوقت المحدود لا يتغير، وهذا وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم السابقة؛ إذ خالفوا أمر ربهم؛ يعني (٢): فلا يؤخرون ولا يمهلون قدر ساعة ولا أقل من ساعة، وإنما ذكرت الساعة؛ لأنها أقل أسماء الأوقات في العرف يقول المستعجل لصاحبه: في ساعة، يريد في أقصر وقت وأقربه، وإنما أفرد (٣) الأجل؛ لأنه اسم جنس، أو لتقارب أعمال أهل كل عصر، أو لكون التقدير: لكل واحد من أمة. وقرأ الحسن وابن سيرين: {فإذا جاء آجالهم} بالجمع.

والمعنى (٤): قل يا محمد لقومك ولغيرهم لكل أمة أمد مضروب لحياتها مقدر لها بحسب السنن التي وضعها الخالق لوجودها، وهذا الأجل على ضربين: أجل لوجودها في الحياة الدنيا، وأجل لعزها وسعادتها بين الأمم:

الأول: أجل لأمة بعث فيها رسول لهدايتها، فردوا دعوته كبرا وعنادا، واقترحوا عليه الآيات فأعطوها مع إنذارهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا، فاستمروا في تكذيبهم، فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر، كما وقع لقوم نوح وعاد وثمود وفرعون وإخوان لوط وغيرهم.

وهذا النوع من الهلاك كان خاصا بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة بأقوامهم، وقد انتهى ذلك ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه الله بقوله: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ..} وقد مضت سنة الله في الأمم أن الذين يقترحون الآيات لا يؤمنون بها، ومن ثم لم يعط الله تعالى رسوله شيئا مما كانوا يقترحونه عليه.


(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.