للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أجل مقدر لحياة الأمم سعيدة عزيزة باستقلالها ومكانتها بين الأمم، وهذا منوط بسنن الله في الاجتماع البشري، وعوامل الرقي والعمران، وأسباب انتهاء هذا الاجتماع لا تعد، ومخالفة ما أرشدت إليه الآيات السالفة كإسراف في الزينة، أو إسراف في التمتع بالطيبات، أو باقتراف الفواحش والآثام والبغي على الناس، أو بالتوغل في خرافات الشرك والوثنية، أو بالكذب على الله بإرهاق الأمة بما لم يشرعه لها من الأحكام. فالأمم التي ترتكب هذه الضلالات والمفاسد يسلبها الله سعادتها، ويسلط عليها من يستذلها كما قال تعالى: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)} وهاكم شاهد صدق على ما نقول، إن الأمم التي كان لها شأن يذكر في التاريخ كالرومان والفرس والعرب والترك وغيرهم، ممن سلب ملكهم كله أو بعضه، لم يكن لذلك من سبب سوى ما أسلفنا، وهذا الضرب من الأجل، وإن عرفت أسبابه لا يمكن أن يحد بالسنين والأعوام والليالي والأيام، ولكن الله يعلم تحديده بما أوجده من الأسباب التي تنتهي بمسبباتها، وبالمقدمات التي تترتب عليها نتائجها كما قال: {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}.

الساعة لغة: أقل مدة من الزمن؛ أي: فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم لا يتأخرون عنه بالبقاء في الدنيا أقل تأخر، كما أنهم لا يتقدمون أيضا عن الوقت الذي جعله لهم وقتا للفناء والهلاك. فإن قلت:

لم أتى بالفاء هنا وفي سائر المواضع إلا في يونس فحذفها؟

قلت: لأن مدخولها في غير يونس جملة معطوفة على أخرى مصدرة بالواو، وبينهما اتصال وتعقيب، فحسن الإتيان بالفاء الدالة على التعقيب بخلاف ما في يونس. انتهى من «الفتوحات».

وفي الآية إيماء إلى أن الأمة قد تملك طلب تأخير الهلاك قبل مجيئه؛ أي:

قبل أن تغلبها على إرادتها أسباب الهلاك بأن تترك الفواحش والآثام والظلم والبغي، والإسراف المفسد للأخلاق، وخرافات الشرك المفسدة للعقول، وتترك البدع في التحريم والتحليل بما لم يخاطب به المولى بأن يقوم فيها جماعة من