للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوم أحد, ولم ير الصابرين على قتال عدوّهم مع نبيهم؛ أي: لا تحسبوا (١) أن تدخلوا الجنة بدون أن تجاهدوا وتصبروا على عواقب الجهاد من جراحٍ، وألم، وكل مكروه، وأريد بحالة نفي علم الله بالذين جاهدوا، والصابرين الكناية عن حالة نفي الجهاد، والصبر عنهم. لأن الله إذا علم شيئًا فذلك المعلوم محقق الوقوع، فكما كنى بعلم الله عن التحقق في قوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} كنى بنفي العلم عن نفي وقوع اجتماع الجهاد والصبر فيهم، فكأنه، قال: لا تحسبوا دخول الجنة مع أنكم لم تجاهدوا, ولم تصبروا على شدائد الحرب. وقال الطبريُّ (٢) المعنى: أظننتم يا معشر أصحاب محمد: أن تنالوا كرامة ربكم، ولما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدون منكم في سبيل الله، والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألمٍ ومكروه. انتهى.

وفي هذه (٣) الآية معاتبةٌ لمن انهزم يوم أحد، والمعنى: أم حسبتم أيها المنهزمون أن تدخلوا الجنة كما دخلها الذين قتلوا، وبذلوا مهجهم لربهم عن وجل، وصبروا على ألم الجراح، والضرب، وثبتوا لعدوهم يوم بدر من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم.

والخلاصة: لا تحسبوا دخول الجنة والحال أنه لم يقع منكم الجهاد مع الصبر على مكابده، وذلك بعيدٌ، وإنما استبعد هذا؛ لأن الله تعالى لما أوجب الجهاد قبل هذه الوقعة، وأوجب الصبر على تحمل متاعبه، وبين وجوه المصالح فيه في الدين والدنيا، كان عن البعيد أن يظن الإنسان أنه يصل إلى السعادة، والجنة مع إهمال هذه الطاعة.

وجهاد (٤) النفس على أداء حقوق الله، وحقوق العباد مما يشق عليها احتماله، ويحتاج إلى مجاهدتها وترويضها حتى تذلل، ويسهل عليها أداء تلك الحقوق. وربما فضل هذا الجهاد جهاد الأعداء في ميدان القتال، وخوض غمار الوغى وأصعب من هذا، وأشق دعوة الأمة إلى خيرٍ لها في دينها ودنياها، أو بث


(١) التحرير والتنوير.
(٢) تفسير الطبري.
(٣) الخازن.
(٤) المراغي.