للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصوت من التمثال، ثم ألقى في روع الناس أن هذا العجل إلهكم وإله موسى، فعبدوه كلهم إلا هارون وقليلا منهم وافقوه، كما قال الحسن، وقال الكرماني (١):

جعل في بطن العجل بيتا يفتح ويغلق، فإذا أراد أن يخور .. أدخل غلاما يخور بعلامة بينهما إذا أراد، وقيل: يحتمل أن يكون الله أخاره ليفتن بني إسرائيل، وخواره قيل مرة واحدة ولم يثنّ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقيل مرارا، فإذا خار سجدوا، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم، وقال ابن عباس وأكثر المفسرين: إن هذا العجل قد ذبحه موسى وحرقه وذرأه في الهواء، كما سيأتي في سورة طه في قوله: {لَنُحَرِّقَنَّهُ} الخ.

وقرأ الكسائي وحمزة (٢): {مِنْ حُلِيِّهِمْ} بكسر الحاء، إتباعا لحركة اللام، كما قالوا: عصي، وهي قراءة أصحاب عبد الله ويحيى بن وثاب، وطلحة والأعمش، وقرأ باقي السبعة والحسن وأبو جعفر وشيبة بضم الحاء، وهو جمع نحو: ثدي وثديّ، وقرأ يعقوب: مِنْ حُلِيِّهِمْ بفتح الحاء وسكون اللام وهو مفرد، ويراد به الجنس، أو اسم جنس مفرده حلية، كثمر وثمرة، وأضيفت الحلي إليهم لأنّهم ملكوها غنيمة لما غرق قوم فرعون، أو أضيفت إليهم وإن كانت لغيرهم تجوزا لأدنى ملابسة.

وقرأ علي وأبو السمال وفرقة {جؤار} بالجيم والهمز، من جار إذا صاح بشدة صوت. فرد الله عليهم ضلالاتهم، وأبان لهم فساد آرائهم، وقرعهم على جهالاتهم فقال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ} والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ؛ أي: ألم يعلم قوم موسى أنّ هذا العجل لا يكلمهم بشيء {وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا}؛ أي: طريقا توصلهم إلى مصالحهم وسعادتهم بوجه من الوجوه.

أي: ألم يروا أنّه فاقد لما يعرف به الإله الحق من تكليمه لمن يختاره من البشر لرسالته، لتعليم عباده ما يجب عليهم معرفته من صفاته، وسبيل عبادته، كما كلم رب العالمين موسى عليه السلام، وألقى إليه الألواح التي فيها من


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.