للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويثمر، ففطن موسى السامري لذلك، وعلم أن هذا التراب له أثر، فأخذ شيئا منه ادخره، فلما توجه موسى عليه السلام للمناجاة .. صنع لهم العجل، ووضع التراب في فيه فصار له خوار، فقال: هذا إلهكم وإله موسى، فنسي كما في سورة طه، وكان موسى السامري منافقا، وانظر إلى من رباه جبريل، حيث كان منافقا، وإلى من رباه فرعون، حيث كان مرسلا فإنّ هذا دليل على أن السعادة والشقاوة بيد الله، قال بعضهم:

إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل ... فقد خاب من ربّى وخاب المؤمّل

فموسى الّذي ربّاه جبريل كافر ... وموسى الّذي ربّاه فرعون مرسل

قال ابن كثير (١): وقد اختلف المفسرون في ذلك العجل، هل صار لحما ودما له خوار؟ أو استمر على كونه من ذهب إلا أنّه يدخل فيه الهواء، فيصوت كالبقر، على قولين والله أعلم، انتهى.

ويرى (٢) الرأي الأول قتادة والحسن البصري، في جماعة آخرين، وتعليل ذلك عندهم: أن السامري رأى جبريل حين جاوز ببني إسرائيل البحر راكبا فرسا، ما وطىء بها أرضا إلا حلت فيها الحياة، واخضر نباتها، فأخذ من أثرها قبضة فنبذها في جوف تمثال العجل، فحلت فيه الحياة وصار يخور كما يخور العجل.

ويرى جماعة آخرون الرأي الثاني، ويقولون: إن خواره كان بتأثير دخول الريح في جوفه وخروجها من فيه، ذاك أنّه صنع تمثال عجل مجوفا، ووضع في جوفه أنابيب على طريق فنية، مستمدة من دراسة علم الصوت، وجعل وضعه على مهب أنابيب الرياح، فمتى دخلت الريح في جوف التمثال انبعث منه صوت يشبه خوار العجل، وقال آخرون: بل ذلك الخوار كان تمويها وعملا منه يشبه عمل الحواة، ذاك أنّه جعل التمثال أجوف، وجعل تحت الموضع الذي نصب فيه من ينفخ فيه من حيث لا يشعر الناس، فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار، والناس يفعلون مثل هذا في النافورات التي تجري فيها المياه، وبهذا الطريق ونحوه ظهر


(١) ابن كثير.
(٢) المراغي.