{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} والقربى مصدر بمعنى القرابة؛ أي: صاحب القرابة لكم؛ أي: ويأمركم الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب المنزل عليك بإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه من المال والدعاء بالخير، وهو داخل في الإحسان، وإنما أفرده بالذكر اهتمامًا بشأنه، وإظهارًا لجلالة صلة الرحم، وتنبيهًا على فضيلتها، كقوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ}، وفي الآية إرشاد إلى صلة الأقارب والأرحام، وترغيب في التصدق عليهم، والرحم (١) عام في كل رحم محرمًا كان أو غير محرم، وارثًا كان أو غير وارث، من أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات وغير ذلك، وقطع الرحم حرام موجب لسخط الله، وانقطاع ملائكة الرحمة عن بيت القاطع، والصلة واجبةٌ باعثةٌ على كثرة الرزق وزيادة العمر، سريعة التأثير، ومعناها التفقد بالزيادة والإهداء والإعانة بالقول والفعل، وعدم النسيان، وأقله التسليم وإرسال السلام أو المكتوب، ولا توقيت فيها في الشرع، بل العبرة بالعرف والعادة.
{وَيَنْهَى} كم سبحانه وتعالى {عَنِ الْفَحْشَاءِ}؛ أي: عن الذنوب المفرطة في القبح، قولًا أو فعلًا، كالكذب والبهتان، والاستهانة بالشريعة، والزنى واللواطة ونحوها، وقيل: الفحشاء هي الغلو في الميل إلى القوة الشهوانية، كالزنا وشرب الخمر والسرقة والطمع في مال الناس، {و} عن {المنكر}؛ أي: وعما تنكره النفوس الزاكية والعقول الكاملة السليمة، ولا ترتضيه من المساويء الناشئة من الغضب، كالضرب والقتل والتطاول على الناس، وفي "التأويلات": المنكر كل ما ينكر به عليك، من إضلال أهل الحق وإغوائهم، وإحداث البدع وإثارة الفتن، كما في أهالي هذا الزمان خصوصًا أصحاب الملاهي، {و} عن {البغي} والظلم والاستيلاء على الناس، والتعدي على حقوقهم، والتطاول عليهم بلا سبب، وتجسس عيوبهم، وغيبتهم، والطعن عليهم، والتجاوز من الحق إلى الباطل ونحو ذلك.