أخرج ابن أبي حاتم عن محمَّد بن كعب القرظي أنه قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال: صف لي العدل، فقلت: بخٍ سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أبًا، ولكبيرهم ابنًا، وللمثل منهم أخًا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم، وعلى قدر أجسامهم، ولا تضربن لغضبك سوطًا واحدًا فتكون من العادين.
{و} يأمركم بـ {الإحسان} إلى من أساء إليكم، وأعلى مراتب الإحسان الإحسان إلى المسيء، وقد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي عن الشعبي أنه قال: قال عيسى ابن مريم - عليه السلام -: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك. ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، وقد صح من حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الإحسان أن تبعد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وفي "الشوكاني": وقد اختلف (١) أهل العلم في تفسير العدل والإحسان، فقيل العدل لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض، وقيل: العدل الفرض والإحسان النافلة، وقيل: العدل استواء العلانية والسريرة، والإحسان أن تكون السريرة أفضل من العلانية، وقيل: العدل الإنصاف والإحسان التفضل، والأول تفسير العدل بالمعنى اللغوي وهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فمعنى أمره سبحانه بالعدل أن يكون عباده في الدين على حالة متوسطة، ليست بمائلة إلى جانب الإفراط، وهو الغلو المذموم في الدين، ولا إلى جانب التفريط، وهو الإخلال بشيء مما هو من الدين، وأما الإحسان فمعناه اللغوي يرشد إلى أنه التفضل بما لم يجب، كصدقة التطوع، ومن الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد مما لم يوجبه الله تعالى في العبادات وغيرها وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فسَّر الإحسان بأن يعبد الله العبدُ حتى كأنه يراه، كما مر آنفًا من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وهذا هو معنى الإحسان شرعًا انتهى.