والصابئين الذين يعبدون الملائكة، ويصلون إلى غير القبلة، وهم فرقة من النصارى سموا صابئين لأنهم صبئوا عن الأديان كلها، بمعنى خرجوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا ما جاءت به الرسل من عند الله، وقيل: هم فرقة أقدم من النصارى، كانوا يعبدون الكواكب السبعة، وقيل: كانوا يعبدون الملائكة - والذين دخلوا النصرانية من أخلص منهم الإيمان بما ذكر، دوامًا وثباتًا كما في المؤمنين المخلصين، أو إيجادًا وإنشاءً كما هو حال المنافقين وغيرهم من الطوائف الأخرى، فلا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا ورائهم من لذات الدنيا وعيشها بعد معاينتهم ما أكرمهم الله به من جزيل ثوابه.
وفي الآية: إيماء إلى أهل الكتاب لم يقيموا دين الله، لا الوسائل منه ولا المقاصد، فلا هم حفظوا نصوص الكتب كلها, ولا هم تركوا ما عندهم منها على ظواهرها, ولا هم آمنوا بالله واليوم الآخر على الوجه الذي كان عليه سلفهم الصالح، وهم عملوا الصالحات كما كانوا يعملون إلا قليلًا منهم عذبوا على توحيد الله ورموا بالزندقة لرفضهم تقاليد الكنائس والبدع التي شرعها الأحبار والرهبان، كما أن فيها ترغيبًا لمن عدا من ذكروا في الإيمان والعمل الصالح ليكون لهم من الجزاء مثل ما لأولئك.
فإن قلت (١): قد قال الله تعالى في أول الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ثم قال في آخر الآية: {مَنْ آمَنَ} فما فائدة هذا التكرار؟
قلت: فائدته أنَّ المنافقين كانوا يظهرون الإِسلام ويزعمون أنهم مؤمنون، ففي هذا التكرار إخراجهم من قبيل المؤمنين فيكون معنى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: بألسنتهم لا بقلوبهم ثم قال: {مَنْ آمَنَ} يعني من ثبت على إيمانه، ورجع عن نفاقه منهم. وقيل: فيه فائدة أخرى وهي: أن الأيمان يدخل تحته أقسام كثيرة، وأشرفها الإيمان بالله واليوم الآخر، ففائدة التكرار التنبيه على أن أشرف أقسام الإيمان هذان القسمان.