للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من النقم والاتعاظ بمن سبق من الأمم، فلم يبق إلّا ما أمروا به على سبيل التكميل، من تعظيم من كانت هدايتهم على يديه، والتبجيل، والخطاب بيا أيها الذين آمنوا، متوجِّهٌ إلى من في المدينة من المؤمنين. قيل: ويحتمل أن يكون إلى كل مؤمن في عصره، وروي عن ابن عباس: أنّه حيث جاء هذا الخطاب، فالمراد به أهل المدينة، وحيث ورد يا أيها الناس، فالمراد أهل مكة. انتهى.

{لَا تَقُولُوا} (١) لنبيّكم محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذا ألقى عليكم شيئًا من العلم، وأكثر عليكم في الإلقاء وتابع فيه، وصَعُب عليكم الأَخْذُ منه مع الموالاة، وطلبتم منه الإمهال والتأنّي في الإلقاء؛ لِيُحفَظَ لكم ما سمعتم منه أوَّلًا، قبل الإلقاء الثاني {رَاعِنَا} يا رسول الله!؛ أي: أمهلنا وانظرنا في الإلقاء، وتأنَّ، ولا تتابعه علينا؛ لنحفظ ما سمعنا منك أوَّلًا قبل أن تُلْقي علينا ثانيًا؛ لأنَّ هذه الكلمة وإن كان معناها في لغة العرب هكذا، فإنَّها توَافق في اللفظ كلمةً عبرانيةً، أو سريانيَّةً، وضعت للمَسبَّة كانت اليهود يتسابُّون بها فيما بينهم؛ لأنَّ معنى {رَاعِنَا} عندهم: اشملَنْا بحُمْقِك، وأَفِدْنا ولَهَك، وخاطِبْنَا بكلامك الخسيس، فإنَّ اليهود إذا سمعت مخاطبتكم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة، وأنتم تريدون معناها العربيَّ، فإنَّهم يخاطبون النبيَّ بهذه.

روي: أنَّ (٢) المسلمين كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا تلا عليهم شيئًا من العلم: راعنا يا رسول الله! أي: تأنَّ بنا، وأمهل في الإلقاء حتى نفهم كلامك، واليهود كانت لهم كلمةٌ عبرانيةٌ يتسابُّون بها فيما بينهم، فلمَّا سمعوا المؤمنين يقولون: {رَاعِنَا} خاطبوا به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهم يريدون بها تلك المسبَّة، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ منهم، وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده: لئن سمعتها من أحد منكم يقولها: لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأضربنَّ عنقه، قالوا: أو لستم تقولون بها؟ فنهي المؤمنون عنها، فأُمِروا بلفظةٍ أخرى؛ لئلا يجد اليهود بذلك سبيلًا إلى شتم


(١) العمدة.
(٢) المراح.