للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك قوله الآتي: {وَقُولُوا انْظُرْنَا} وهو إمَّا مأخوذٌ من الرعاية، والمراعاة: المبالغة في الرعي، وهو النظر في مصالح الإنسان، وتدبير أموره، وتدارك مصالحه، أو من الرُّعونة، والرَعْنُ: الجَهْلُ، والهَوَجُ، والحُمْقُ، والخِسَّة. وبُدِءَ بالنهي؛ لأنّه من باب التُّروك فهو أسهل، ثُمَّ أتى بالأمر بعده الذي هو أشقُّ؛ لحصول الاستئناس قَبْلَ النهي، ثُمَّ لم يكن نهيًا عن شيء سبق تحريمه، ولكن لمّا كانت لفظةُ المُفاعلة تقتضي الاشتراكَ غالبًا صار المعنى: لِيقع منك رَعْيٌ لنا، ومِنّا رَعْيٌ لك، وهذا فيه ما لا يخفى مع مَنْ يُعظَّم؛ نُهوا عن هذه اللفظة لهذه العلةِ، وأُمروا بأن يقولوا: {انْظُرْنَا} إذ هو فعلٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا مشاركة لهم فيه معه. وقرأ الجمهور (١): {رَاعِنَا} وفي مصحف عبد الله وقراءته، وقراءة أبيّ {راعونا} خاطبوه بذلك؛ إكبارًا؛ وتعظيمًا إذْ أقاموه مُقامَ الجمع، وتضمَّن هذا النهيُ النَّهْيَ عن كُلِّ ما يكون فيه استواءٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقرأ الحسن، وابن أبي ليلى، وأبو حيوة، وابن مُحيصن: {رَاعِنًا} بالتنوين جعله صفةً لمصدر محذوف؛ أي: لا تقولوا قولًا راعنًا، وهو على طريق النسب، كلابن، وتامر، وقال الحسنُ: الراعن من القول، السُّخريُّ منه. اهـ. ولمّا كان القول سببًا في السَّبِّ اتَّصف بالرعْنِ، فنُهوا في هذه القراءة أن يخاطبوا الرسولَ بلفظٍ يكون، أو يوهم شيئًا من الغَضِّ والنَّقص، ممَّا يستحقُّه - صلى الله عليه وسلم - من التعظيم، وتلطيفِ القول وأدَبِهِ، مأخوذٌ من الرُّعونة وهو الحُمْقُ، وكذا قيل: في {راعونا} إنّه فاعولا من الرعونة، كعاشورا. وقيل: إنّ اليهود تقول: راعنا؛ أي: رَاعِي غنمنا {وَقُولُوا} أيها المؤمنون عند طلب الإمهال منه، والتأني في الإلقاء {انْظُرْنَا}؛ أي: انتظرنا وأَمْهِل لنا، ولا تُوال في الإلقاء من نظره إذا انتظره.

وقرأ الجمهور (٢): {انْظُرْنَا} موصولَ الهمزة مضمومَ الظاء من النظرة وهي التأخير؛ أي: انتظرنا وتأنَّ علينا، نحو قوله:

فإِنَّكُمَا إنْ تَنْظُرَانِي سَاعَةً ... مِنَ الدَّهْرِ تَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدُبِ


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.