للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو من النَّظَرِ واتُّسِعَ في الفِعْلِ، فعدِّي بنفسه، وأصله: أن يتعدَّى بإلَى، كما قال الشاعر:

ظَاهِراتُ الجَمَالِ والحُسْن يَنْظُرْ ... نَ كَمَا يَنْظُرُ الأَرَاكَ الظِّبَاءُ

يريد إلى الأراك، ومعناه: تَفَقَّدْنا بنظرك، وقال مجاهد معناه: فَهِّمْنَا وبيِّنْ لنا، فسَّر باللازم في الأصل وهو أَنظِرَ؛ لأنّه يلزمُ من الرفقِ والإمهالِ على السائل، والتأنِّي أن يَفْهَم بذلك. وقيل: هو من نَظَرِ البصيرة بالتَّفكُّرِ والتدبُّرِ فيما يَصْلُح للمنظور فيه، فاتُّسِعَ في الفعل أيضًا، إذ أصله: أن يتعدَّى بفي، ويكون أيضًا على حذف مضاف؛ أي: انظر في أمرنا. قال ابن عطيّة: وهذه لفظةٌ مُخلصةٌ لتعظيم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقرأ أبي (١)، والأعمش: {أنْظِرْنَا} بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار، ومعناه: أخِّرنا وأمهلنا حتى نتلقَّى عنك، وهذه القراءة تشهد للقول الأوّل في قراءة الجمهور، ومنه قول الشاعر:

أبا هند فلا تَعْجَلْ علينا ... وأَنظِرنا نُخَبِّرْك اليقينا

ثُمَّ أمرهم بعد هذا النَّهي والأمر الأول، بأمرٍ آخر بقوله: {وَاسْمَعُوا} أيُّها المؤمنون ما يقوله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أي أحسنوا (٢) سماعه بآذان واعيةٍ، وأذهانٍ حاضرةٍ، حتى لا تحتاجوا إلى الاسْتعادة، وطلب المراعاة، أو المعنى: واسمعوا ما تؤمرون به في مخاطبته - صلى الله عليه وسلم - وأطيعُوا. نَهَى الله سبحانه وتعالى، عباده المؤمنين أن يقولوا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - راعنا؛ لئلا يتطرَّق أحدٌ إلى شَتْمِه، وأمرهم بتوقيره وتعظيمه، وأن يتخيَّروا لخطابه - صلى الله عليه وسلم - من الألفاظ أحسنهَا، ومن المعاني أدقَّها، وإن سألوه يسألوه بتبجيلٍ، وتعظيمٍ، ولينٍ، ولا يخاطبوه بما يَسُرُ اليهود.

ولمَّا نهى أوّلًا، وأمر ثانيًا، وأمر بالسمع وحضَّ عليه إذ في ضِمْنهِ الطاعةُ، أخَذَ يُذَكِّرُ لِمَنْ خالَف أَمْرَه بقوله: {وَلِلْكَافِرِينَ}؛ أي: ولليهود الذين سبُّوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتهاونوا بأمر الرسول، وظاهره العموم، فيدخل فيه اليهود دخولًا أوَّليًّا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.