للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: لا يضيع أجرهم، فوضع المحسنين موضع المضمر لاشتماله على المتقين والصابرين. وقيل المعنى: من يتق مولاه ويصبر على بلواه. وقيل: من يتق الزنا ويصبر على العزوبة قاله ابن عباس. وقال مجاهد: يتقي المعصية ويصبر على السجن.

والمعنى (١): أن الحق الذي نطقت به الشرائع وأرشدت إليه التجارب هو من يتق الله فيما به أمر وعنه نهى، ويصبر على ما أصابه من المحن وفتن الشهوات والأهواء، فلا يستعجل الأقدار بشيء قبل أوانه، فإن الله لا يضيع أجره في الدنيا، ثم يؤتيه أجره في الآخرة.

وفي الآية شهادة له من ربه بأنه من المحسنين المتقين لله، وبأن من كان مطيعًا لنفسه الأمارة بالسوء ومتبعًا لنزغات الشيطان .. فإن عاقبته الخزي في الدنيا والنكال في الآخرة إلا من تاب وعمل صالحًا، ثم اهتدى. وقرأ (٢) قنبل ابن كثير: {من يتقي} - بالياء - وصلًا ووقفًا. فقيل: هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة، وهذه الياء إشباع وقيل: جزمه بحذف الحركة على لغة من يقول: لم يرمي زيد، وقد حكوا ذلك لغةً، وقيل غير ذلك. وقرأ الباقون بحذفها وصلًا ووقفًا، والإعراب على قراءتهم ظاهر واضح.

تنبيه: فإن قيل: لِمَ لَمْ يعرف يوسف إخوته بنفسه في أول مرة ليبشروا أباهم به، وبما هو عليه من حسن حال وبسطة وجاه، فيكون في ذلك السرور كل السرور له؟

فالجواب عن ذلك: ما أجاب به ابن القيم في كتابه "الإغاثة الكبرى" قال رحمه الله تعالى: لو عرفهم بنفسه في أول مرة لم يقع الاجتماع بهم وبأبيه ذلك الموقع العظيم، ولم يحل ذلك المحل، وهذه سنَّة الله تعالى في الغايات العظيمة الحميدة إذا أراد أن يوصل عبده إليها هيأ له أسبابًا من المحن والبلايا والمشاق،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.