للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التقريع يمزق العرض، ويذهب ماء الوجه، و {اليوم} منصوب بالتثريب؛ أي: لا تثريب عليكم اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بسائر الأيام؟ والمراد باليوم الزمان مطلقًا كقوله:

الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَغْبِطُنَا ... وَالْيَوْمَ نَتْبَعُ مَنْ كَانُوْا لَنَا تَبَعَا

كأنه أريد بعد اليوم.

ثم ابتدأ، فقال: {يَغْفِرُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى، ويعفو {لَكُمْ} عن ذنبكم وظلمكم ويستره عليكم، فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم.

وفي "الخازن" (١): وفي محل قوله: {الْيَوْمَ} قولان:

أحدهما: أنه يرجع إلى ما قبله، فيكون التقدير: لا تثريب عليكم اليوم، والمعنى: إن هذا اليوم هو يوم التثريب والتقريع والتوبيخ، وأنا لا أقرعكم اليوم ولا أوبخكم ولا أثرب عليكم، فعلى هذا يحسن الوقف على قوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ}، ويبتدأ بقوله: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}.

والقول الثاني: أن اليوم متعلق بقوله: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} فعلى هذا يحسن الوقف على قوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ}، ويبتدأ بـ {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} كأنه لما نفى عنهم التوبيخ والتقريع بقوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} بشرهم بقوله: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}.

{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} لمن أقلع عن ذنبه وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم، فيجازي، محسنهم، ويغفر لمسيئهم؛ لأن (٢) رحمة الراحمين أيضًا برحمته، أو لأن رحمتهم جزء من رحمته تعالى، والمخلوق إذا رحم فكيف الخالق. قال في "بحر العلوم" الذنب للمؤمن سبب للوصلة، والقرب من الله تعالى، فإنه سبب لتوبته، وإقباله على الله تعالى.


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.