للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سنة، وهو أصح الأقوال الجارية في معنى القرن، وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم؛ لأنهم يتقدمونهم، وكلُّ أمة هَلَكَتْ، فلَم يبق منها أحد تُسمَّى قرناء. {أُولُو بَقِيَّةٍ}؛ أي: أصحاب عقل ورأي ودين وفضل. وسُمِّي الفضل والجودةُ بقيةً على أن يكون الهاء للنقل كالذبيحة؛ لأنَّ الرجلَ إنَّما يستبقي مما يكسبه عادة أجودَه، وأفضلَه، فصار مثلًا في الجوْدَةَ والفضل، يقال: فلان من بقية القوم؛ أي: من خيارهم، ومنه ما قيل في المَثل: في الزوايا خبايَا، وفي الرجال بقايَا؛ وإنما قيل: بقية, لأنَّ الشرائعَ والدولَ، ونحوَها، قوتها في أولهَا، ثم لا تزالُ تضعف، فمن ثبت في وقت الضعف .. فهو بقية الصدر الأول. {يَنْهَوْنَ} نعت لأُولي؛ أي: ينهون قومهم المفسدين {عَنِ الْفَسَادِ} الواقع منهم {فِي الْأَرْضِ}، ويمنعونهم من ذلكَ لكونهم ممن جمع الله فيهم بينَ جودة العقل وقوة الدين. وفي قوله: {يَنْهَوْنَ} حكاية الحال الماضية، والمراد بالتحضيض في لولا: النفيُ، والاستثناءُ في قوله: {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} منقطع، والمعنى: ما كانَ من القرون المهلكة من قبلكم أُولو فضل ودين ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلًا ممن أنجينا منهم؛ أي: من القرون المهلكة نَهَوا عن الفساد، فنجَوا، وهم أتباع الرسل، وسائرهم تركوا النهيَ، فهلكوا، و (من) في {ممن أنجينا} للبيان لا للتبعيضِ؛ لأنَّ جميعَ الناجينَ ناهُونَ.

قيل: هؤلاء القليلُ: هم قوم يونس لقوله فيما مر: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ}. والراجح أنهم أتباع الرسل، وأهل الحق من الأمم على العموم.

والمعنى: فهلا وجد من أولئك الأقوام الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم في الأرض جماعة أولو عقل ورأي وصلاح ينهونهم عن الفساد في الأرض، باتباع الهوى، والشهوات التي تفسد عليهم أنفسَهم، ومصالِحَهم، فيحولون بينهم، وبين الفساد، ومن سنة اللَّهِ أن لا يهلك قومًا إلا إذا عَمَّ الفساد والظلم أكثرهم.

{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}؛ أي: ولكنْ كَانَ هناك قليل من الذين أنجيناهم مع رسلهم، منبوذينَ لا يقبل نهيهم وأمرهم مهددينَ مع رسلهم بالإبعاد والأذى. وقوله: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} معطوف على مقدر يقتضيه