للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك بزواج أم يحصل بقدرتك؟ وقد يكون قصدها: التعجب من قدرة الله واستعظام شأنه. وفي "الفتوحات": والاستفهام هنا استفهام حقيقي عن كيفية خلقه منها، هل يكون وهي بهذه الحالة عزباء، أو بعد أن تتزوج؟ فأجابها: بأنه يخلقه منها، وهي على هذه الحالة، كما يدل عليه قولنا الآتي من خلق ولدٍ منك بلا أب. انتهى.

{قَالَ} جبريل الأمر {كَذَلِكِ}؛ أي: كما قلت لكِ من خلق ولد منك بلا أب {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} كيف شاء بسبب، وبلا سبب.

أو المعنى (١): مثل هذا الخلق العجيب، والإحداث البديع - وهو خلق الولد بغير أبٍ - يخلق الله ما يشاء، فالكاف صفة لمصدر محذوف على هذا المعنى.

فإن قلت (٢): لِمَ عبَّر هنا بالخلق، وفي قصة يحيى بالفعل؟

قلت: لأن ولادة العذراء من غير أن يمسها بشر، أبدع وأغرب من ولادة عجوز عاقر من شيخ كبير، فكأن الخلق المنبىء عن الاختراع أنسب بهذا المقام من مطلق الفعل كما سبق.

أي: هكذا يخلق الله منك ولدًا من غير أن يمسك بشر، فيجعله آية للناس وعبرة، فإنه {إِذَا قَضَى أَمْرًا}؛ أي: إذا أراد خلق شيء من الكائنات {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ}؛ أي: لذلك الأمر {كُن} لا غير، أي: أحدث وأخرج من العدم {فـ} هو {يكون}؛ أي: فذلك الأمر يوجد بسرعة من غير تباطؤ، فنفخ جبريل في جيب درعها، فوصل نَفَسه إلى فرجها فدخل رحمها، فحملت منه، وفيه إشارة إلى أنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرجًا بأسباب ومواد .. يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك، وهذا تمثيل لكمال قدرته، ونفوذ مشيئته وتصوير لسرعة حصول ما يريد بلا إبطاء بصورة آمر مطاع لمأمور قادر على العمل مطيع يفعل ما يطلب منه


(١) المراغي.
(٢) الجمل.