للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كسبية للوصول إليه. يؤيد ذلك ما جاء في فترات الوحي في السيرة النبوية، وقد يكون توجّه قلب الرسول إلى الله تعالى في بعض الحوادث مقدمة لنزول الوحي في الحكم الذي طلب من ربه بيانه. يرشد إلى ذلك قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}.

والخلاصة: أن الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم المكتسبة، كذلك لم يعطوا التصرف في خزائن ملك الله تعالى، فلم يمكّنهم ما لم يمكِّن من أسبابه حتى يكون من كسبهم وعملهم، ولا هو أعطاهم ذلك على سبيل الخصوصية.

ونفي ادعاء الرسول من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية، أو ادعاء شيء من صفات الإله القادر على كل شيء، العلم بكل شيء، ويتضمن جهل المشركين حقيقةَ الألوهية وحقيقة الرسالة، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب، وطلبوا منه الإخبار بما يكون في الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفةً له كسائر الصفات، فقد سألوه عن وقت الساعة، وعن وقت نزول العذاب بهم، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم. وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك .. فأحر بمن دونهم منزلة عند الله تعالى من القديسين والأولياء المقربين أن لا يكون لهم ذلك، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير، ولا ينبغي التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة، كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين سنن الله في الأكوان. {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} أشاهد من أمر الله ما لا يشاهده البشر، وأقدر على ترك الأكل والشرب والنكاح، وذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج النساء؟ ثم أمره أن يبيِّن وظيفة الرسول، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد: {إِنْ أَتَّبِعُ}؛ أي: ما أَتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه {إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}؛ أي: إلا وحي الله الذي يوحيه إليَّ، وتنزيله الذي ينزله عليَّ، فامضي لوحيه وأعمل بأمره، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول، وليس ذلك بالمنكر في عقولكم، ولا بالمستحيل وجوده، فما وجه إنكاركم لذلك؟

ثم وبخهم على ضلالهم وعنادهم، فأمر رسوله أن يبيِّن لهم أن الضال