{وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ}؛ أي: أريتها ليلة الإسراء {إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} أي إلّا امتحانًا، واختبارًا للناس، فأنكرها قوم وكذبوا بها، وكفر كثير ممن كان قد آمن به، وازداد المخلصون إيمانًا، والمراد بالرؤيا: ما عاينه عليه السلام ليلة المعراج من عجائب الأرض والسماء، والتعبير عن ذلك بالرؤيا: إمّا لأنه لا فرق بينه وبين الرؤيا كما في «الكواشي» الرؤيا تكون نومًا ويقظةً كالرؤية، أو لأنها وقعت بالليل، وتقضت بالسرعة، كأنها منامٌ، أو لأن الكفرة قالوا: لعلّها رؤيا، فتسميتها رؤيا على قول المكذبين، قال في «الحواشي السعدية»: قد يقال: تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاستعارة لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات. انتهى.
وقوله:{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} معطوف على الرؤيا، والمراد بلعنها فيه: لعن طاعمها على الإسناد المجازي، أو إبعادها عن الرحمة، فإنّ تلك الشجرة التي هي الزقوم، تنبت في أصل الجحيم، في أبعد مكان من الرحمة؛ أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة؛ أي: الملعون آكلها المذكورة في القرآن، أو المذمومة، أو المؤذية؛ لأن العرب تقول لكل طعام ضار ملعون، إلا فتنة واختبارا للنّاس، فإنهم حين سمعوا {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)} اختلفوا: فقوم ازدادوا إيمانًا، وقوم ازدادوا كفرًا، كأبي جهل إذ قال: إنّ ابن أبي كبشة - يعني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توعّدكم بنار تحرق الحجارة، ثمّ يزعم أنها تنبت شجرة، وتعلمون أنّ النار تحرق الشجر ولقد ضلوا في ذلك ضلالًا بعيدًا، حيث كابروا قضيّة عقولهم، فإنهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا يضرّها، ويشاهدون المناديل المتّخذة من وبر السمندل تلقى في النار، ولا تؤثر فيها، والسمندل: هي دويبة في بلاد الترك، يتخذ من وبره مناديل، فإذا اتسخت طرحت في النار، فيذهب وسخها، وتبقى هي سالمة لا تعمل فيها النّار، قال في «الكشاف»: وقد فات هؤلاء أنّ في الدنيا أشياء كثيرةٌ لا تحرقها النار.
والخلاصة: أنّ هؤلاء المشركين فتنوا بالرؤيا، وفتنوا بالشجرة {وَنُخَوِّفُهُمْ}؛ أي: ونخوف كفّار مكّة بمخاوف الدنيا، والآخرة {فَما يَزِيدُهُمْ} التخويف {إِلَّا