لكم فساده وسوء عاقبته، وحذرتكم صنيع القوم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم من تماثيل البقر.
وقد كان من الحق عليكم أن تقتفوا أثري وتتبعوا سيرتي، بيد أنّكم سلكتم ضد ذلك، فصنعتم صنما كأحد أصنامهم، فعبده بعضكم، ولم يردعكم عن ذلك باقيكم {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، قال صاحب «الكشاف»: المعنى: أعجلتم عن أمر ربكم - وهو انتظار موسى - حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره، ولم أرجع إليكم فحدثتكم أنفسكم بموتي، فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.
وعبارة «المراح» هنا قوله: {بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}؛ أي: بئسما قمتم مقامي، وكنتم خلفائي من بعد انطلاقي إلى الجبل، وهذا الخطاب إما لعبدة العجل - السامري وأشياعه - أي: بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى، وإما لهارون والمؤمنين معه؛ أي: بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوهم من عبادة غير الله تعالى، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم هذه {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}؛ أي: أعجلتم وعد ربكم من الأربعين، فلم تصبروا له، وذلك أنّهم قدروا أن موسى لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة قد مات.
{وَأَلْقَى} موسى {الْأَلْواحَ}؛ أي: ألواح التوراة التي جاء بها؛ أي: وضعها في موضع ليتفرغ لما قصده من مكالمة قومه، فلما فرغ من مكالمتهم عاد إليها فأخذها؛ أي: طرحها من يديه {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}؛ أي: بشعر رأس هارون بيمينه ولحيته بشماله حالة كونه {يَجُرُّهُ}؛ أي: يجر هارون {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى نفسه بذؤابته لا على سبيل الإهانة، بل ليستكشف منه كيفية تلك الواقعة، ظنا منه أنه قد قصر في ردعهم وتأنيبهم، وكفهم عن عبادة العجل، كما فعل هو بتحريقه وإلقائه في اليم إن قدر، أو أن يتبعه إلى جبل الطور إن لم يستطع، كما حكى الله تعالى عنه في سورة طه {يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)} ولا شك أنّ سياسة الأمم تختلف باختلاف أحوال رعاتها وسائسيها،