للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالقوي منهم الشديد الغضب للحق كموسى، يشعر بما لا يشعر به من يغلب عليه الحلم ولين العريكة كهارون عليه السلام.

ثم ذكر سبحانه جواب هارون لموسى فقال: {قالَ} هارون لموسى {ابْنَ أُمَّ}؛ أي: يا ابن أمي لا تعجل بلومي وتعنيفي، ولا تظنن تقصيري في جنب الله تعالى، فإنّي لم آل جهدا في الإنكار على القوم والنصح لهم {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي}؛ أي: ولكن القوم قد وجدوني واعتقدوني ضعيفا، ولم يرعووا لنصحي، ولم يمتثلوا لأمري {وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي}؛ أي: بل وأوشكوا وقاربوا أن يقتلونني لأنّي نهيتهم عن عبادة العجل.

ناداه (١) نداء استعطاف وترفق، وكان شقيقه، وهي عادة العرب تتلطف وتتحنن بذكر الأم، كما قال:

يا ابن أمّي ويا شقيق نفسي

وقال آخر:

يا ابن أمّي فدتك نفسي ومالي

وأيضا: فكانت أمهما مؤمنة، قالوا: وكان أبوه مقطوعا عن القرابة بالكفر، كما قال تعالى: لنوح عليه السلام {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} وأيضا لما كان حقها أعظم، لمقاساتها الشدائد في حمله وتربيته، والشفقة عليه .. ذكره بحقها، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وكان كثير الحلم، ولهذا كان محببا في بني إسرائيل.

وقرأ الحرميان (٢) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو وحفص {ابْنَ أُمَّ} بفتح الميم، فقال الكوفيون أصله: يا ابن أماه، فحذفت الألف تخفيفا كما حذفت في يا غلام، أصله: يا غلاما، وسقطت هاء السكت لأنّه درج، فعلى هذا الاسم معرب، إذ الألف منقلبة عن ياء المتكلم فهو مضاف إليه لابن، وقال سيبويه:


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.