والشقاوة، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاوة للطفل: أن يولد بين يهوديين، أو نصرانيين، فيحملانه على اعتقاد دينهما.
فإن قلت: الحديث الذي ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا" يعارضه حديث أبي هريرة: "كل مولود يولد على الفطرة" فما وجه الجمع بينهما؟
قلت: يجمع بينهما بأن المراد بالفطرة: استعداده لقبول الإسلام، كما مر، وذلك لا ينافي كونه شقيًا في جبلته، أو يراد بالفطرة قولهم:{بَلَى} حين قال الله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}. قال النووي: لما كان أبواه مؤمنين .. كان هو مؤمنًا أيضًا، فيجب تأويله بأن معناه - والله أعلم -: إن ذلك الغلام لو بلغ لكان كافرًا. انتهى.
ثم لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي، المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى أنه يقول:"فأبواه يهودانه" فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه، محكوم له بحكم أبويه الكافرين، كما في "كشف الأسرار".
والمعنى: أي الزموا خلقة الله، التي خلق الناس عليها، فقد جعلهم بفطرتهم جانحين للتوحيد، وموقنين به، لكونه موافقًا لما يهدي إليه العقل، ويرشد إليه صحيح النظر، كما ورد في الحديث المتفق عليه، لأبي هريرة الذي سبق آنفًا، وقوله {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}؛ أي: لدينه وتوحيده تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى لوجوب الامتثال به؛ أي: لا صحة ولا استقامة لتبديله بالإخلال بموجبه، وعدم مقتضاه عليه بقبول الهوى، واتباع وسوسة الشيطان، أو هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها تبديل لها من جهة الخالق سبحانه.
وقال ابن عباس: لا تبديل لقضاء الله بسعادتهم وشقاوتهم.
وفي "التأويلات النجمية": لا تحويل لما له خلقهم، فطر الناس كلهم على التوحيد، فأقام قلب من خلقه للتوحيد والسعادة، وأزاغ قلب من خلقه للإلحاد