للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد يجاب، وقد يرد، فإن دعوات الرسول مستجابة، فاحذروا سخطه، فإن دعاءه مجاب، ليس كدعاء غيره. وهذا كما قاله ابن عباس. وإما مصدر مضاف إلى المفعول. والمعنى: لا تجعلوا نداءكم إياه، وتسميتكم له، كنداء بعضكم بعضًا باسمه، مثل يا محمد، ويا ابن عبد الله، ويا أبا القاسم، ورفع الصوت به والنداء وراء الحجرات، بل نادوه بغاية التوقير. وبلقبه المعظم، مثل يا نبي الله ويا رسول الله، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} مع التواضع، وحفض الصوت، فلا تنادوه باسمه، ولا بكنيته. وروي هذا أيضًا عن ابن عباس. وقال أبو الليث في "تفسيره": وفي الآية بيان توقير معلم الخير؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان معلم الخير، فأمر الله بتوقيره، وتعظيمه، معرفة حق الأستاذ. وفيه معرفة أهل الفضل. قال في "حقائق البقليّ": إحترام الرسول من احترام الله، ومعرفته من معرفته، والأدب في متابعته، من الأدب مع الله تعالى.

وقرأ الحسن (١) ويعقوب في رواية: {نبيكم} بنون مفتوحة وباء موحدة مكسورة، وياء تحتانية مشدة، بدل قراءة الجمهور {نبيكم} ظرفًا. قال صاحب "اللوامح": وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - على البدل من الرسول.

ثم توعد المنصرفين خفية بغير استئذان، فقال: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ} أي: يخرجون من المسجد خفيةً من بين الناس واحدًا واحدًا، حالة كونهم {لِوَاذًا} أي: متلاوذين بالناس؛ أي: متسترين بهم؛ أي: يعلم الله الذين يخرجون من الجماعة، قليلًا قليلًا على خفية.

و {قد} (٢) هنا للتحقيق: بطريق الاستعارة لاقتضاء الوعيد إياه، كما أن رب يجيء للتكثير، وفي "الكواشي" قد هنا مؤذنة بقلة المتسللين؛ لأنهم كانوا أقل من غيرهم. وقيل: قد هنا بمعنى ربما مفيدة للتكثير.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.