للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ يزيد بن قطيب (١): {لِوَاذًا} بفتح اللام، فاحتمل أن يكون مصدر، لاذ الثلاثي، ولم يقبل؛ لأنه لا كسرة قبل الواو، فهو كطاف طوافًا، واحتمل أن يكون مصدر لاوذ الرباعي، وكانت فتحة اللام لأجل فتحة الواو. واللواذ من الملاوذة. وهو أن تستتر بشيء مخافة من يراك. وقيل: اللواذ الفرار من الجهاد. وبه قال الحسن. ومنه قول حسان:

وَقُرَيْشٌ تَجُوْلُ مِنْكُمُ لِوَاذَا ... لَمْ تُحَافِظْ وَجَفَّ مِنْهَا الْحُلُوْمُ

والتسلل: الخروج بخفية.

والمعنى: قد يعلم الله الذين يخرجون متسللين من المسجد في الخطبة، واحدًا بعد واحد، من غير استئذان، خفيةً مستترين بشيء. وإن عملهم هذا إن خفي على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلا يخفى على من يعلم السر والنجوى، ومن لا يعزب عنه مثقال ذرة، ويعلم الدواعي التي تحملهم على ذلك، ولديه الجزاء على ما يفعلون.

روى أبو داود أنه كان من المنافقين، من يثقل عليه استماع الخطبة، والجلوس في المسجد، فإذا استأذن أحد من المسلمين، قام المنافق إلى جنبه يستتر به، فأنزل الله سبحانه الآية.

والفاء في قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} لترتيب الحذر (٢)، أو الأمر به، على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم، فإنه مما يوجب الحذر ألبتة، فإن قلت (٣): كيف عدى (خالف) بعن مع أنه يتعدى بنفسه؟

قلت: ضمن خالف بمعنى أعرض، أو عدل فعداه تعديته، أو يقال: عن متعلقه بمحذوف تقديره: يخالفونه تعالى، ويعدلون عن أمره أو هي زائدة على قول الأخفش. والضمير في أمره إما لله؛ لأنه الآمر حقيقة، أو للرسول؛ لأنه المقصود بالذكر.


(١) أبو السعود.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) روح البيان.