للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حتى فتحها، وأمر الله يوشع بن نون: أن يأمر بني إسرائيل - حين يدخلون بيت المقدس - أن يدخلوا بها سجدًا، وهم يقولون حطة؛ أي: حط عنا ذنوبنا، فبدلوا ما أمروا به، ودخلوا يزحفون على استاههم وهم يقولون حبة في شعرة، وقد تقدم هذا كله في البقرة.

وقوله تعالى: {فَلَا تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} تسلية لموسى عليه السلام عنهم لما ندم على الدعاء عليهم، وبين أنهم أحقاء بذلك لفسقهم؛ أي؛ لا تحزن يا موسى على هلاكهم وعقوبتهم؛ لأنهم أهل مخالفة وخروج عن الطاعة، فهم فاسقون متمردون مستحقون لهذا التأديب الإلهي، وقيل: الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والمراد بالفاسقين معاصروه؛ أي: هذه فعال أسلافهم، فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك، وردهم عليك؛ فإنَّها سجية خبيثة موروثة عندهم.

فائدة: واختلف المفسرون في مقدار الأرض التي تاهوا فيها (١)، فقيل: مقدار ستة فراسخ، وقيل: ستة فراسخ في اثني عشر فرسخًا، وقيل: تسع فراسخ في ثلاثين فرسخًا، وكان القوم ست مئة ألف مقاتل، وكانوا يرحلون ويسيرون يومهم أجمع، فإذا أمسوا .. إذ هم في الموضع الذي رحلوا منه، وكان ذلك التيه عقوبة لبني إسرائيل، ما خلا موسى وهارون ويوشع وغالب؛ فإن الله تعالى سهله عليهم، وأعانهم عليه، كما سهل على إبراهيم النار وجعلها بردًا وسلامًا.

فإنْ قلت: (٢) كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم، في هذا المقدار الصغير من الأرض أربعين سنة، بحيث لم يخرج منه أحد؟.

قلت: هذا من باب خوارق العادات، وخوارق العادات في أزمان الأنبياء غير مستبعدة؛ فإن الله على كل شيء قدير. وقيل: إن فسرنا ذلك التحريم بتحريم التعبد .. زال هذا الإشكال لاحتمال أن الله ما حرم عليهم الخروج من تلك الأرض، بل أمرهم بالمكث فيها أربعين سنة في المشقة والمحنة، جزاءً لهم على سوء صنيعهم، ومخالفتهم أمر الله، ولما حصل بنو إسرائيل في التيه شكوا إلى


(١) الخازن.
(٢) الخازن.