للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزواجر {وَهَمَّ بِهَا}؛ أي: وقَصَدَ يُوسُفُ بمخالطتها؛ أي: مال إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وشهوة الشباب ميلًا جبليًّا، لا يكادُ يَدْخُل تحت التكليف لا قصدًا اختياريًّا؛ لأنه كما أنه برىء من ارتكاب نفس الفاحشة، والعمل الباطل كذلك برىء من الهَمِّ المحرَّم، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همِّها في الذكر بطريق المشاكلة لا لشُبهةٍ به. ولقد أشير إلى تَبَايُنِهِمَا بأنه لم يقُلْ: ولقدْ هَمَّا بالمخالطة، أو همَّ كلٌّ منهما بالآخر. قال بعضهم (١): الهمّ قسمان: هم ثابت، وهو هم اقترن بعزم وعقد ورضا مثل هم امرأة العزيز، فالعبدُ مأخوذ به، وهم عارض، وهو الخطرة، وحديث النفس من غير اختيار، ولا عَزْم مثلُ هَمِّ يوسف عليه السلام، والعبد غَيرُ مَأخُوذ به ما لم يتكلم أو يعمل.

{لَوْلَا أَنْ رَأَى} يوسفُ وعلِمَ وأيقن {بُرْهَانَ رَبِّهِ}؛ أي: حُجَّةَ ربه، وأدلّتَه الدالة على كمال قُبْحِ الزنى. والمراد برؤيته لها: كمال إيقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلةً إلى مرتبة عين اليقين، التي تتجلَّى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقية. وجوابُ لولا محذوف تقديره: لولا مشاهدتُه وعِلْمُه بُرْهانَ ربه في شأن الزنا لجرى على موجب ميله الجِبْلّي فوقَع في الزنا، لكنه حيثُ كانَ البرهانُ الذِي هو الحكم والعلم حاضرًا لديه حُضورَ من يراه بالعين، فلم يَهُمَّ به أصلًا. ومن المعلوم أنَّ (لولا) حرف امتناع لوجود، فالمعنى امتنع وانتفى جِماعُه لها, لوجود رؤيته البرهان. وفي "السمين" المعنى: لولا رؤيته برهانَ رَبِّهِ لهَمَّ بها ,لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية ربه، فلم يَحْصُلْ منه هم ألبتة كقولك: لولا زيدٌ لأكرمتك فالمعنى: إنَّ الإكرامَ امتنع لوجود زيد. وبهذا يتخلَّص من الإشكال الذي يُورد هنا، وهو كيف يليق بنبيٍّ أن يهُمَّ بامرأة، اهـ.

والحاصل (٢): أن هذا البرهانَ عندَ المحققينَ المثبتينَ لعصمة الأنبياء هو حُجَّةُ الله تعالى في تحريم الزنا، والعِلْمُ بما على الزاني من العقاب. أو المرادُ


(١) المراح.
(٢) المراح.