للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بصورتين كونها مشتركة بين الكفار والمؤمنين، وكونها مخصصة بالكفار؛ أي: لا يصطف (١) المؤمنون الكافرين، فيكاشفوهم بالأسرار الخاصة بالشؤون الدينية، ويقدموا مصلحتهم على مصلحة المؤمنين؛ إذ في هذا تفضيل لهم عليهم وإعانة للكفر على الإيمان.

وخلاصة هذا: نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين لقرابة أو صداقة جاهلية أو جوار، أو نحو ذلك من أسباب المصادقة والمعاشرة، بل ينبغي أن يراعوا ما هم عليه مما يقتضيه الإِسلام من الحب والبغض لمصلحة الدين فحسب. ومن ثَمَّ تكون موالاة المؤمنين أجدى لهم في دينهم من موالاة الكافرين.

فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المؤمنين .. فلا مانع منها، فقد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - خزاعة وهم على شركهم، كما لا مانع من ثقة المسلم بغيره وحسن معاملته في أمور الدنيا.

واعلم أن كون المؤمن مواليًا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون راضيًا بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع؛ لأن الرضا بالكفر كفر.

وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع.

وثالثها: الركون إلى الكفار والمعونة لهم والنصرة، إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل، فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهيٌّ عنه؛ لأن المُوالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان دينه والرضا بطريقته، وذلك يخرجه عن الإِسلام، فهذا هو الذي هَدَّد الله فيه بقوله الآتي: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}، وقرأ الضبي شذوذًا: لا يتخذُ برفع الذال على النفي، والمراد به: النهي، وقد أجاز الكسائي فيه الرفع كقراءة الضبي وذلك شذوذًا كما سبق بيانه، قال أبو حيان (٢): وظاهر الآية تقتضي النهي عن موالاتهم إلا ما فسح


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.