للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لنا فيه من اتخاذهم عبيدًا، والاستعانة بهم استعانة العزيز بالذليل، والأرفع بالأوضع، والنكاح فيهم، فهذا كله ضرب من الموالاة أذن لنا فيه، ولسنا ممنوعين منه، فالنهي ليس على عمومه. انتهى.

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}؛ أي: اتخاذ الكافرين أولياء بالاستقلال، أو بالاشتراك مع المؤمنين فيما يضر مصلحة الدين؛ بنقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين لهم، أو يودهم ويحبهم {فَلَيْسَ} ذلك الموالي {مِنَ اللَّهِ}؛ أي: من ولاية الله ودينه {فِي شَيْءٍ} قليل ولا كثير؛ أي: فليس بمطيع لله ولا ناصر لدينه، وصلة الإيمان بينه وبين ربه تكون منقطعة، ويكون من الكافرين كما جاء في آية أخرى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه، وموالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}؛ أي: إلا أن تخافوا أيها المؤمنون من الكفار مخافة وضررًا؛ أي: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرًا يجب اتقاؤه والاحتراز منه؛ بأن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك، أو مالك، فحينئذٍ يجوز إظهار الموالاة وإبطان المعاداة؛ أي: لا تتخذوا الكفار أولياء ظاهرًا أو باطنًا في حال من الأحوال إلا في حال اتقائكم وخوفكم من جهتهم اتقاءً ومخافةً.

والمعنى: نهى (١) الله سبحانه وتعالى المؤمنين من موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه، من غير أن يستحل دمًا حرامًا ومالًا حرامًا، أو غير ذلك من المحرمات، ومن غير أن يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع صحة النية.

وخلاصة الكلام (٢): أن ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شي تتقونه منهم، فلكم حينئذٍ أن تتقوهم بقدر ما يُتقى ذلك الشيء؛ إذ القاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح،


(١) الخازن.
(٢) المراغي.