وإنما كرر (١): بإذن الله هنا وفيما مرَّ؛ لنفي توهم الألوهية في عيسى، فهو رد على النصارى؛ لأن الإحياء والخلق ليس من جنس الأفعال البشرية، وأما إبراء الأكمه والأبرص، فهو من جنس أفعالهم، فلذا لم يذكر بإذن الله بعده، وذكر في المائدة أربعًا بلفظ: إذني؛ لأنه هنا من كلام عيسى، وثم من كلام الله تعالى، وأتى بهذه الأربع بلفظ المضارع دلالة على تجدد ذلك كل وقت طلب منه.
روي أنه أحيا أربعة أنفس: أحيا عازَر بوزن هاجر بعد موته بثلاثة أيام حتى عاش، وولد له، وأحيا ابن العجوز وهو ميت محمول على السرير، فنزل عن سريره حيًّا، ورجع إلى أهله، وعاش وولد له، وأحيا بنت العاشر؛ أي: الذي يأخذ العشور من الناس بعد يوم من موتها، فعاشت، وولد لها، فقالوا لعيسى: إنك تحيي من كان قريب العهد من الموت، فلعلهم لم يموتوا حقيقة، بل أصابهم سكتة، فأحي لنا سام بن نوح، وهو قد مضى من موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقام على قبره، فدعا الله باسمه الأعظم، فقام من قبره، وقال للقوم: صدقوه فإنه نبي الله، ومات في الحال، فآمن به بعضهم، وكذبه آخرون، فقالوا: هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال: نعم. {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ}؛ أي؛ وأخبركم بما تطعمون وتشربون غدوة وعشية {وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}؛ أي: وأخبركم ما ترفعون وتخبئون في بيوتكم من غداء لعشاء، ومن عشاء لغداء لتأكلوه فيما بعد ذلك. قيل: كان عيسى عليه السلام يخبر الرجل بما أكل البارحة، وبما يأكله اليوم، وبما يدخره للعشاء، وقال قتادة: إنما كان هذا في نزول المائدة، وكان خوانًا ينزل عليهم أينما كانوا، فيه من طعام الجنة، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغدٍ، فخانوا وادخروا، فكان عيسى عليه السلام يخبرهم بما أكلوا من المائدة، وما ادخروا منها، فمسخهم الله خنازير، وهذه هي المعجزة الرابعة، وفي هذا دليل قاطع على صحة نبوة عيسى عليه السلام، ومعجزة عظيمة له، وهي: إخباره عن المغيبات مع ما تقدم له من الآيات الباهرات من: إبراء الأكمه