طيرًا حيًّا يحلق في جو السماء، كما تفعل بقية الطيور.
وقد روي أنه عليه السلام لما أعلن النبوة، وأظهر المعجزات .. طالبوه بخلق خَفَّاش، فأخذ طينًا، وصوره، ونفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض، قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم .. سقط ميتًا؛ ليتميز عن خلق الله تعالى.
وقد جرت سنّة الله أن تجرى الآيات على أيدي الأنبياء عند طلب قومهم لها، وجعل الإيمان موقوفًا عليها، فإن كانوا سألوه شيئًا من ذلك .. فقد فعل، ولا حاجة بنا إلى تعيين نوع الطير؛ إذ لم يرد عندنا نص من كتاب أو سنّة يعينه، فنقف حينئذٍ عند لفظ الآية.
فلما صور لهم خفاشًا .. قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ}؛ أي: وأشفي الذي ولد أعمى، أو الممسوح العينين، وأصححه من عماه {و} أشفي {الأبرص} وأصححه من مرضه؛ وهو الذي في جلده بياض شديد، وهذه هي المعجزة الثانية، ولم يقل في هذه المعجزة، وفي المعجزة الرابعة: بإذن الله؛ لأنهما ليس فيهما كبير غرابة بالنسبة إلى الآخرين، فتوهم الألوهية فيهما بعيد، فلا يحتاج للتنبيه على نفيه خصوصًا وكان فيهم أطباء كثيرون، وإنما خُصَّا بالذكر؛ لأن مداواتهما أعيت الأطباء، وقد كان الطب متقدمًا جدًّا في زمن عيسى، فأراهم الله المعجزة من ذلك الجنس، وقد جرت السنّة الإلهية أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في زمنه؛ فأعطى موسى العصا، وابتلعت ما كانوا يأفكون؛ لأن المصريين في ذلك العصر كانوا مشهورين بالسحر؛ وأعطى عيسى من المعجزات ما هو من جنس الطب الذي حذقه أطباء عصره؛ وأعطى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - معجزة القرآن؛ لأن التفاخر في ذلك العصر كان بالفصاحة والبيان.
فلما فعل ذلك قالوا: هذا سحر، فهل عندك غيره؟ قال: نعم. {وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: وأحيي بعض الأموات بإرادة الله ودعائه، وكان يدعو لإحيائهم باسم الله الأعظم، وهو يا حي يا قيوم، وهذه هي المعجزة الثالثة.