كثيرة؛ لأن الكل دال على شيء واحد، وهو صدقه في الرسالة. قرأ الجمهور:{بِآيَةٍ} بالإفراد، وفي مصحف عبد الله شذوذًا:(بآيات) بالجمع في الموضعين، فلما قال ذلك عيسى لبني إسرائيل .. قالوا: ما تلك الآية؟ قال هي {أَنِّي أَخْلُقُ} وأصور وأقدر {لَكُمْ}؛ أي: لأجل هدايتكم وتصديقكم بي {مِنَ الطِّينِ}؛ أي: من التراب الرطب {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}؛ أي: شيئًا مثل صورة الطير.
قرأ الجمهور:{أَنِّي} - بفتح الهمزة - على كونه خبر مبتدأ محذوف كما قدرنا، أو على كونه بدلًا من آية، فيكون في محل جر. وقرأ نافع {إنيَ} بالكسر على الاستئناف، أو على إضمار القول. وقرأ الجمهور {كَهَيْئَةِ} بفتحتين بينهما ياء ساكنة. وقرأ الزهري شذوذًا:(كهِيَّة) بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث. وقرأ الجمهور:{كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع في المتواتر:{كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}.
{فَأَنْفُخُ فِيهِ}؛ أي: في فم ذلك الشيء المماثل للطير، فالضمير للكاف. وقرأ بعض القراء شذوذًا؛ (فأنفخ فيها) بالتأنيث كما هو كذلك في المائدة، فالضمير للهيئة. {فَيَكُونُ}؛ أي: فيصير ذلك المماثل الذي أنفخ فيه {طَيْرًا} حيًّا يطير بين السماء والأرض {بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بأمر الله وتكوينه وتخليقه، وفيه إشارة إلى أن إحياءَه من الله تعالى، لا منه، وهذه هي المعجزة الأولى. وقرأ نافع ويعقوب هنا وفي المائدة:{طائرًا}، وقرأ الباقون:{طيرا}.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخَفَّاش، وإنما طالبوه بخلق الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقًا، وأبلغ دلالة على القدرة؛ لأن له نابًا وأسنانًا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويطير بغير ريش، ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، إنما يرى في ساعتين: ساعة بعد المغرب، وساعة بعد طلوع الفجر، والأنثى منه لها ثدي وتحيض وتطهر وتلد.
وخلاصة الكلام: أن من علامات نبوتي - إن كنتم فيه تمترون - أني أقتطع من الطين جزءًا مصورًا بصورة طير من الطيور التي تريدون، ثم أنفخ فيه، فيصير