للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فإن في المجاهدة إتلاف المال والنفس، سبب ذلك الشح بالأموال والأنفس، وعدم وجود باعث الإيمان وداعي الإخلاص، ووجود الصارف عن ذلك، وهو ما هم فيه من النفاق، وفيه تعريض بالمؤمنين الباذلين لأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، لوجود الداعي معهم وانتفاء الصارف عنهم {وَقَالُوا}؛ أي: قال المنافقون بعضهم لبعض أو قالوا للمؤمنين {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} تثبيطًا لهم وكسرًا لنشاطهم، وتواصيًا بينهم بالمخالفة لأمر الله ورسوله؛ أي: لا تخرجوا مع محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك في الحر الشديد، ثم أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم بقوله: {قُلْ} يا محمَّد لهؤلاء الذين اختاروا الراحة والقعود خلافك عن الجهاد في الحر {نَارُ جَهَنَّم} التي هي موعدهم في الآخرة {أَشَدُّ حَرًّا} من حر الدنيا {لوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}؛ أي: يعلمون أنَّ مآبهم إليها، أو أنها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة.

والمعنى (١): أنكم أيها المنافقون، كيف تفرون من هذا الحر اليسير، ونار جهنم الي ستدخلونها خالدين فيها أبدًا أشد حرًّا مما فررتم منه، فإنكم إنما فررتم من حر يسير في زمن قصير، ووقعتم في حر كثير في زمن كبير، بل غير متناهٍ أبد الآبدين، ودهر الداهرين، وجواب لو، في قوله: {لوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} محذوف تقديره: لو كانوا يفقهون أنها كذلك .. لما فعلوا ما فعلوا.

وقرأ عبيد الله (٢): {يعلمون} مكان يفقهون، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير؛ لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه.

وحال معنى الآية: أي (٣) وقالوا لإخوانهم في النفاق إغراءً لهم بالثبات على المنكر، وتثبيطًا لعزائم المؤمنين: لا تنفروا في الحر، قل لهم أيها الرسول، مفندًا آراءهم، ومسفهًا أحلامهم: نار جهنم التي أعدها الله لمن عصاه وعصى


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.